* لم يخطئ الرجل في أي مفردة من مفردات بروتوكول زيارة الدولة ولا في أدبيات التخاطب مع شعب لبنان العظيم المتنوع الطوائف والمذاهب والمشارب, ما اضطر أكثر خصومه غلوا إلى الإذعان بنجاح زيارته والقول بأنه «كان معتدلاً ولائقاً»!

Ad

لكن رجلاً من مثل الدكتور محمود أحمدي نجاد، وهو الذي طار إلى لبنان على شعار جمهوره المفضل «رجل من جنس الناس» لم يكن البتة بحاجة إلى شهادة من مثله حتى يتم التأكد من نجاح زيارته التاريخية إلى بلد «أرض الملاحم والبطولات»!

غير أن ما حصل في يومي تلك الزيارة التاريخية كان أبعد من مجرد زيارة دولة قام بها رجل دولة إلى دولة صديقة وشقيقة, بل هي «محطة إقليمية» كشفت عمق التحول الحاصل في اصطفافات القوى على المستوى الدولي ما جعل من لبنان يصبح فعلاً «دولة إقليمية عظمى» يربك قادة دويلة «الجيش الذي لا يقهر» حتى اضطروا أن يقولوا لأول مرة «نحن نعرف كيف ندافع عن أنفسنا»، وهم الذين اعتادوا الهجوم!

لقد قيل الكثير قبل الزيارة وفي أثنائها وبعدها عن كيف أن إيران عملياً ومن خلال هذه المحطة التاريخية قد رسخت نفوذها بعيداً حتى باتت على شواطئ البحر المتوسط, لكن لا أحد من أصحاب «الغيرة» على لبنان «المستضعف» إيرانياً، كما يزعمون، فكر ولو للحظة بأن لبنان هذا بات ذا حول وطول واسع، ما جعله يتحول هو الآخر إلى دولة إقليمية عظمى يمتد نفوذها إلى شواطئ بحري الخزر والأسود.

هم يعرفون بالطبع أن مثل هذا الاعتراف فيما لو حصل من قبلهم إنما سيعني إقرارا بدور المقاومة وشعب المقاومة اللبناني العظيم في هذه النقلة التاريخية التي يعيشها لبنان العربي المستقل والحر في زمنه الجديد، حيث أسدل الستار فيه مرة واحدة وإلى الأبد على نظريتهم الشهيرة المقهورة «قوة لبنان في ضعفه»!

نعم ثمة مشروع تم تظهير هزيمته خلال هذه الزيارة، وهو مشروع «استيلاد الشرق الأوسط الكبير» كما أرادت كوندوليزا رايس يوماً, فيما تم تظهير نجاح المشروع المضاد، وهو مشروع «المشرق الجديد»، الذي يضم في جنباته مسلمين ومسيحيين وعرباً وإيرانيين وأتراك يعيشون تحت خيمة فولاذية واحدة مدججة بثقافة المقاومة والممانعة تصد رياح الأطلسي الغريبة على بيئة المنطقة وتربتها والحاملة لبذور الفتن المتنقلة محاولة زرعها فيها بالقوة الخشنة أحيانا والقوة «الناعمة» أحيانا أخرى. وعندما تكون الصورة على هذه الهيئة فمن حقهم البتة أن يحنقوا وأن يستشيطوا غضباً, وأن يعتبروا ما حصل «استفزازاً» كما وصفوا خطابه التاريخي في بنت جبيل، وهو الذي ذكّرهم بخطاب رفيقه في النضال سماحة السيد حسن نصر الله عندما وصفهم بأوهن من بيت العنكبوت مضيفاً «بأن بنت جبيل باتت عاصمة جغرافية المقاومة وبوصلة انتصار فلسطين»، ملحاً عليهم الطلب «بالاستسلام لحقيقة أنهم راحلون من أرض ليست لهم إن لم يكن طوعاً منعاً لمزيد من سفك الدماء وإلا بحرب دفاعية تجبرهم على الرحيل أذلاء»، كما جاء على لسان نجاد!

وعليه يمكننا الاستنتاج بأنه من الآن فصاعداً لن يستطيعوا الاستفراد بلبنان لا سلماً ولا حرباً وهو ما وعد به نجاد حلفاءه اللبنانيين عندما قال لهم: «إننا وإياكم بتنا في جبهة واحدة»!

لقد غيّرت الزيارة التاريخية للرئيس الاستثنائي إذن من طبيعة التوازنات الإقليمية وبات الكيان الصهيوني «يسارع الخطى متدحرجاً نحو الهاوية والزوال» كما بشر نجاد!

ففي زمن السلم باتت تطوقهم عشرات الاتفاقيات الثنائية والمتعددة بين لبنان الجديد وجيرانه الأقربين والأبعدين جغرافياً, وأما في الحرب، إن تجرؤوا عليها أصلاً، فستكون فيها نهايتهم فضلاً عن تحول وجه المنطقة إن لم يكن وجه العالم برمته!

يد تبني إذن ويد تصد الرياح الغازية، هذا ما حصدته دماء شهداء لبنان الزكية ومثلث صموده الذهبي أو الماسي «شعب وجيش ومقاومة»!

صحيح أن زيارة نجاد إلى لبنان كانت زيارة رئيس دولة إلى رئيس دولة بالأساس, لكن سياق حصولها حمل لبنان إلى مصاف الدول صاحبة القول الفصل في أي معادلة إقليمية يفكر فيها العرب والمسلمون من الآن فصاعداً، كما سيؤرخ لأحداث لبنان من الآن فصاعداً على قاعدة ما قبل زيارة نجاد وما بعد زيارة نجاد!

والفضل الأساس في كل ما حصل في الواقع هو لذلك الزعيم اللبناني والعربي والإسلامي الاستثنائي سماحة السيد حسن نصرالله، الذي أدار لعبة الحرب والسلم بوجه العدو والدفاع والبناء مع شركائه في الوطن بروح وهمة رجل الدولة من الطراز الأول حتى ترسخت مقولته الشهيرة «لقد جاء زمن الانتصارات وولى زمن الهزائم»!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني.