في فسحة هذا الكون الواسع الكثير من الأسرار والغرائب والغيبيات التي يقف الإنسان أمامها مذهولاً حائراً ، محاولاً أن يبذل أقصى جهده لتفسير وتحليل ما يقع ضمن دائرة إدراكه وحدسه وشعوره وبصيرته، بيد أنه قد يهتدي إلى شذرات من المعارف القليلة حولها، وتغيب عنه حقائق كبرى ليس إليها من سبيل.

من ضمن الظواهر اللطيفة الخفية ما يسمى بالطاقة الكونية، وهي أشبه بالسيال اللامرئي الذي يشبه التموجات أو الذبذبات الكهربائية. وهذه التموجات والذبذبات تتحرك وتنتقل حولنا وفي محيطنا وبيئاتنا وأينما كنا. وهي موجودة في الهواء وفيما حولنا من أشياء وجمادات، وموجودة في الأمكنة التي نسكن أو نحل فيها، وموجودة بصورة أكثر وضوحاً في أجسامنا الظاهرة وأرواحنا الخفية.

Ad

هذه الطاقة السيالة من التموجات اللامرئية يُقال إنها ذات طبيعتين متغايرتين: إما إيجابية أو سلبية، وهذا واضح في سياقات حياة الإنسان ومعاشه وعلاقاته ومزاجه النفسي وميوله العاطفية، وواضح كذلك في حله وترحاله وصحته ومرضه وسعادته وشقائه، إذ يظل رهناً وهدفاً لهذه الطاقة في إيجابها وسلبها. فكم من الناس من نسعد بقربهم وننجذب إليهم كالمغناطيس وترف أرواحنا كلما رأيناهم، وآخرون يورثوننا الكمد وتشمئز حواسنا لمجرد ذكرهم. وما أكثر الأمكنة التي ننفر منها وتثقل أرواحنا كلما غشيناها، وأخرى تجلب لنا الراحة والسكينة والاسترخاء. أما أنواع الروائح والطعوم والألوان والأجواء وقدرتها على بث هذه الطاقة بنوعيها السلبي والإيجابي فأمر يصعب على الحصر.

أتذكر في هذا السياق، وربما يتذكر معي بعض من القراء الكرام، ذلك الفيلم الذي عرض في بعض برامج التنمية الذاتية، ولعله متوافر في (اليوتيوب) أيضاً، والذي يعرض فيه أحد العلماء اليابانيين تجربة معملية حول ما تفعله الطاقة الإيجابية والسلبية في ذرات الماء. فقد قام بتعريض قدر من الماء لسمفونية من الموسيقى الهادئة أو تراتيل وأدعية تدعو معانيها إلى الخير والصفاء الروحي، فرأى تحت المجهر أن جزيئات الماء وذراته أخذت تتحرك وتنتظم على شكل بلورات هندسية غاية في التنظيم والجمال كبلورات الكريستال أو الماس. أما حينما عرّض نفس الماء لأصوات من النشاز والصخب وصيحات الويل والثبور فقد لاحظ أن الذرات والجزيئات المائية أخذت تتبعثر وتتكتل بشكل فوضوي وكأنها تشكو التمزق والألم! وحيث إن جسد الإنسان يتكون من ما مقداره 90 في المئة من الماء، فلكم أن تتصوروا مدى سعادة هذا الإنسان أو شقائه روحاً وجسداً وهو يتعرض إلى شتى صنوف المثيرات وحزم الطاقات الإيجابية والسلبية، ومدى تأثيرها في مزاجه وصحته وأدائه العام في حياته ومعاشه.

إلى جانب هذا المثال فقد راجت مؤخراً أطروحات وكتب حول قانون التجاذب بين الإنسان وعناصر الكون، وكيف يمكن للإنسان استغلال هذا القانون وتعلمه لتحسين حياته وتوجيهها إيجابياً. ويأتي كتاب (السر) لمؤلفته روندا بايرن من ضمن أشهر الكتب في هذا المجال، إذ تعرض فيه المؤلفة أمثلة كثيرة على ما كان يعتقد الإنسان أنه (حسن حظ) أو (سوء حظ)، وكيف تفسر ذلك أنه مجرد سوء تعامل مع قانون الجذب أو الطرد في علاقاتنا مع الطاقة الكونية من حولنا!

لقد مضى على الإنسان في العصر الحديث حين من الدهر، وهو لا يزال أسيراً لقوانين العلوم البحتة والتطبيقية، فأنكر الكثير من الظواهر الغيبية والماورائيات، وخضع لسيطرة العقل المحض ومنطق التجربة والمشاهدة، وحيادية الأدوات المخبرية، فبعدت الشقة بينه وبين الحدس والفطرة، وضعف إيمانه بما لا يراه أو يلمسه، فتصحرت روحه وشحّ خياله وذبلت روحانيته.ولكن في الآونة الأخيرة بتنا نشهد توجهاً عالمياً ملحوظاً نحو الروحانيات وعلومها، كعلم الطاقة والعلاج بالإيحاء، وجلسات التأمل واليوغا، وغيرها من وسائل البحث عن السلام الروحي والاسترخاء النفسي ، بعيداً عن اللهاث والصخب وضغوطات الحياة المادية.

لم يبقَ في النهاية إلا أن نقول إن التوازن بين منطق العقل وعبق الروحانيات، يظل أهم دعامات الصحة النفسية، وأوضح سمات الإنسان السوي.