دروس محمد مساعد الصالح!

نشر في 10-10-2010
آخر تحديث 10-10-2010 | 00:01
 خلف الحربي أهم درس صحفي قدمه لنا الراحل الكبير محمد مساعد الصالح- رحمه الله- من خلال عموده النحيل القصير (الله بالخير) هو القدرة العجيبة على تحريك العواصف العاتية دون صراخ، لم يكن الكاتب الخبير والساخر الكبير بحاجة إلى أن يرفع صوته كي يعبر عن حجم اعتراضه على أمر ما، بل كان يطرح فكرته الصغيرة بمنتهى الهدوء، فتتشظى قنبلة الكلمة في كل مكان بينما هو يسير في طريقه وكأنه لا يعرف شيئا عن الموضوع.

ومن دروسه المهمة حرصه الشديد على أن يبقى عموده مستقلا عن تجاذبات التيارات السياسية المتطاحنة، فهو في هذا العمود لا ينتمي إلا إلى رأيه الحر ولا يتحدث إطلاقا بصوت غيره، ولا يجد أي عقدة في الوقوف ضد اتجاه الريح أيا كان مصدر هذه الريح، لا يهمه أين يقف الشارع؟ أو أين تقف الحكومة؟ لا يعنيه إطلاقا إذا كان ما سيكتبه يأتي في صف الليبراليين أم في صف الإسلاميين، إنه يوقع هذا العمود باسم محمد مساعد الصالح، لذا فهو يقدم رأيه دون الالتفات إلى مواقع المتخندقين من حوله، حتى في أثناء الحرب الأميركية على العراق التي انتهت بإسقاط نظام صدام حسين لم يتردد محمد مساعد الصالح في طرح رأيه الخاص بكل هدوء رغم إدراكه أن هذا الرأي لا ينسجم مع مشاعر الأغلبية الساحقة التي كانت تتلهف لإسقاط دكتاتور العراق الذي سبق أن اجتاحت جيوشه البلاد وعاثت فيها فسادا، فأي قدرة على الثبات تلك التي كان يملكها ذلك الرجل؟!

ولأنه محام بارز فقد استغل برشاقة تخصصه توعية القراء بحقوقهم القانونية، فحين تحدث جريمة تهز المجتمع الكويتي يتحول الكتّاب إلى صدى يعكس انزعاج الناس من هذه الجريمة بينما يتفرغ محمد الصالح لشرح إجراءات النيابة العامة وتفسير بعض المسميات القانونية التي قد تلتبس على الجمهور.

لم يكن لموقعه في الجريدة كناشر أو كرئيس تحرير أي تأثير على عموده النحيل... هو في «الوطن» مثلما هو في «القبس»، لا يمثل إلا نفسه، ولا يعنيه إطلاقا تعارض أفكاره مع آراء بقية الكتاب في الجريدة، سواء كان يدفع رواتب هؤلاء الكتّاب أو كان مجرد زميل لهم... إنه تطويع عجيب للنفس على احترام حق الاختلاف في وقت أصبحت فيه الصحف تركض خلف رأي الناشر الذي تحول مع مرور الأيام إلى (معزب) يقرأ الكتّاب أفكاره من نظرات عيونه، فإذا مال يمينا مالوا معه، وإذا مال يسارا تحولوا جميعا إلى (تشي غيفارا).

كان كاتبا رشيقا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى... مدرسة في السهل الممتنع، بل هو السهل الممتنع شخصيا! رجل عميق يطرح فكرته بمنتهى البساطة، تتسلل كلماته إلى القلب دون استئذان، رحم الله محمد مساعد الصالح وأسكنه فسيح جناته.

* كاتب سعودي

back to top