توسيع مجلس التعاون الخليجي

Ad

مصادر مطلعة ترى في دعوة الأردن والمغرب إلى الانضمام إلى منظومة «مجلس التعاون»، أنه من أبرز إفرازات حركات التغيير في العالم العربي. وتقول المصادر نفسها إنها جاءت بعد الأحداث المتلاحقة في العالم العربي، وانهيار أنظمة كانت تشكل العمق الاستراتيجي لأنظمة الخليج والمنطقة كمصر، التي كانت الخط الأول في التصدي للقضايا المشتركة مع الخليج... وفي ظل الفراغ السياسي الذي تركته مصر، المنخرطة في إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية إثر سقوط النظام السابق، وكذلك في ظل التطورات التي تتجه نحو الأسوأ بالنسبة إلى سورية.

الكويت تتحفظ على هذه الدعوة

وهذه الدعوة لم تنل إجماع القمة، فمن بين الدول التي تحفظت عليها كانت الكويت وقطر وسلطنة عمان، وإن لم تمانع هذه الدول الثلاث في دعم الأردن والمغرب، دون إرهاق مجلس التعاون الخليجي بأعباء سياسية أو اقتصادية إضافية. كما أن نواباً في مجلس الأمة الكويتي قد أعلنوا أنه سيكون لهم موقف من هذه الدعوة، انطلاقاً من مصلحة المواطنين والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

كما تناقلت الصحف اليومية تحليلات المحليين، من الكويت وغيرها، فمن قائل إن الانضمام إلى مجلس التعاون يعزز التكامل العربي، ومن قائل إن هذه الدعوة نجاح لسياسات مجلس التعاون وسط إحباط من جامعة الدول العربية، ووصفت قراءة أردنية لهذه الدعوة، بأن دول الخليج دعاة الوحدة الحقيقيون، ومن قائل إن أهل الثورات فشلوا في تحقيق الوحدة بأساليب غير مقبولة، في الوقت الذي يقول فيه د. عبدالله غانم إن القرار خطوة وقائية لحماية الأنظمة الوراثية.

التاريخ يعيد نفسه

ولعل د. عبدالله غانم قد استوحى هذا التحليل من تاريخ الثورات التي اجتاحت أوروبا عام 1848، فالتاريخ يعيد نفسه. فثورة 25 يناير تتشابه والثورة الفرنسية التي اندلعت عندما فتح الجنود النار على مظاهرة سلمية قام بها الشباب في باريس يوم 24 فبراير سنة 1848، فاندلعت الثورة، وأقيمت المتاريس في كل أرجاء باريس، وأُعلنت الجمهورية، واحتل الثوار قصر الباليه رويال، وأجبر الملك لويس فيليب على الفرار ناجياً بحياته، وأُحرق كرسي العرش علناً، وشُكلت حكومة مؤقتة.

فقام تحالف الملكيات المطلقة في أوروبا الذي صممه ميترنيخ، الذي كان يحكم النمسا، لحماية الملكيات. كما اندلعت الثورة الشعبية في مصر، عندما فتحت قوات الأمن النار على المظاهرات السلمية التي قامت في الخامس والعشرين من يناير في «ميدان التحرير»، وهي مظاهرات لم تكن تطالب إلا بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وعندما اقتحمت «ميدان التحرير» الجمال والأحصنة لتفتك بالمتظاهرين، وعندما سقط المئات شهداء لهذه الثورة التي شهد العالم كله، أنها كانت أعظم ثورة في التاريخ، رفعت سقف مطالبها إلى تنحي الرئيس وإسقاط النظام ومحاكمة الفساد.

إشعاع الثورتين الفرنسية والعربية

ولعل إشعاع الثورتين الفرنسية والمصرية، كان متشابهاً، فقد اندلعت المظاهرات في النمسا التي أسقطت ميترنيخ، وأرغمت المظاهرات التي اجتاحت شوارع برلين الملك فردريرك وليم على دعوة جمعية تأسيسية لوضع الدستور، وحذا حذوه بقية الأمراء في ألمانيا، وفي إيطاليا ثار الإيطاليون ضد النمسا في الشمال وضد حكم البوربون في نابولي وصقلية وأعلنت نابولي وتورير وفلورنسا الدستور، واضطر فرديناند ملك نابولي إلى الفرار ناجياً بنفسه. كما اندلعت انتفاضة في بلجيكا ضد الحكومة الليبرالية نظمها الاتحاد الديمقراطي الذي أسسه كارل ماركس، وفي موقع آخر من الإمبراطورية النمساوية في براغ، ثار التشيكيون، وأجبروا الإمبراطور فرديناند على التنحي عن العرش، وكان الإمبراطور قبل تنحيه قد أجبر على منح المجر استقلالاً ذاتياً بعد أن هبت الثورة بقيادة الزعيم الوطني كوسوت والمجلس التشريعي المجري الذي انتخبه وصياً على عرش المجر، وحصل الدنماركيون على دستور برلماني ديمقراطي من ملكهم فردريك السابع. وهي ثورات كانت نتاج إشعاعات الثورة الفرنسية، ولم يكن يجمع بينها إلا المطالبة بالحرية والديمقراطية البرلمانية والإصلاح الاقتصادي، بعد أن تردى الوضع الاقتصادي في أوروبا وانتشرت المجاعة في الريف والبطالة في المدن لكساد المحاصيل والتجارة. وتلك هي الأسباب نفسها والمطالب ذاتها التي حركت شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، وهي الثورة التي أطلت بإشعاعها على العالم العربي كله، ففجرت ثورة ليبيا وثورة اليمن والانتفاضة الشعبية في سورية والمظاهرات في البحرين.

ولم تكن هذه الثورات في أوروبا أو في العالم العربي يجمعها تنظيم مشترك أو أهداف موحدة إلا المطالبة بالحرية والإصلاح السياسي والديمقراطي، قبل أن يرتفع سقف مطالبها إلى المطالبة بإسقاط الأنظمة الاستبدادية التي تحكمها.

تحالف الملكيات في أوروبا والثورة المضادة

وإذا كانت الملكيات في أوروبا قد تحالفت لمقاومة هذه الثورات التي اجتاحتها عام 1848، فقد نجح هذا التحالف في إجهاض مكاسب الثورات الشعبية، حيث رفض الإمبراطور فردريك في ألمانيا أن يتسلم التاج الإمبراطوري من المجلس الدستوري الذي أعد الدستور الموحد لألمانيا بدعوى أن حقه الملكي مستمد من الله، وعاد البرلمانيون إلى منازلهم، وسقطت الجمهورية الرومانية في روما بعد عام واحد، واستعادت الحكومة البلجيكية قوتها بعد أن عبأت قواتها المسلحة التي مكنتها من اعتقال وطرد قادة الاتحاد الديمقراطي، وأوقع الجيش الروسي الهزيمة بالجيش المجري، وانسحب الروس تاركين للنمساويين الانتقام من المجريين انتقاماً وحشياً.

ولهذا كان دعوة الأردن والمغرب إلى الانضمام إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهما الدولتان الملكيتان الوحيدتان في جامعة الدول العربية خارج مجلس التعاون الخليجي أشبه بتحالف الملكيات في أوروبا، أو كما يقول الدكتور عبدالله الغانم خطوة وقائية لحماية الأنظمة الوراثية.

وهو ما يطرح سؤالاً يحسن أن تكون الإجابة عنه واضحة بعد أن روّج البعض اسماً جديداً ملائما لمجلس التعاون هو «مجلس التعاون الخليجي- العربي»، هل هي بداية النهاية لجامعة الدولة العربية، أم ان الاسم الجديد الملائم للجامعة العربية سيصبح «جامعة الجمهوريات العربية».

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة