إن فكرة منع حرية التعبير والكلمة، قد صارت فكرة خائبة، وإن كل محاولات التكميم والرقابة وإحكام السيطرة على انتشار الفكر ما عادت تجدي نفعاً، وذلك في عصر أضحت تنتقل فيه الأفكار كالشرار عبر وسائط الاتصال والتواصل الإلكترونية المتعددة!

Ad

في بداية هذا الشهر أبلغ الروائي البرازيلي الشهير باولو كويللو متابعيه، عبر مدونته ذائعة الصيت بأن إيران قد منعت تداول كتبه، مبدياً استغرابه من ذلك، خصوصاً أن كتبه بعيدة كل البعد عن الشأن السياسي، ويغلب عليها الطابع الفلسفي الروحاني، ولأنها منتشرة في كل دول العالم بجميع اللغات، ومنتشرة في إيران نفسها منذ أكثر من 12 عاماً، حيث بيع منها هناك ما يقارب الستة ملايين نسخة!

واتضح بعد أيام أن سبب المنع يعود لأن كويللو قد تكلم وكتب مناصرا لصديقه آراش حجازي، الكاتب والناشر صاحب دار نشر كارافان، وهي الدار التي تقوم بنشر كتبه رسمياً في إيران، وذلك لكون حجازي من الناشطين المناهضين للنظام في إيران، ومن الشهود الرئيسيين على مقتل الفتاة ندا آغا سلطان برصاص الأمن في أثناء المظاهرات الاحتجاجية على النظام في عام 2009م، وقد تمكن من الهرب إلى الخارج خوفاً على حياته.

وفي مواجهة الأمر، قام كويللو بنشر كل كتبه، باللغة الفارسية، بالمجان على شبكة الإنترنت، وذلك في مدونته، ليتم نسخها في الساعات القليلة الأولى إلى مئات المواقع الأخرى، ولتنتشر انتشار النار في الهشيم!

بطبيعة الحال، واضح أن المنع لم يكن موجها لمحتوى الكتب بحد ذاتها، وإنما كان موجهاً إلى باولو كويللو شخصياً، لمساندته صديقه آراش حجازي، وأن الرسالة كانت سياسية في صلبها، وهذا الأمر لم يغب عن ذهن كويللو، لذلك قام من خلال نشره لكتبه بالمجان وإتاحتها للجمهور الفارسي حول العالم عبر موقعه، بالرد جواباً على الرسالة الإيرانية بأن حرية الكلمة اليوم لا يمكن قمعها، وأنها ستدخل وستنفذ بالرغم من كل الحدود الجغرافية والاجتماعية والسياسية!

لا أشك أن إيران قد صنعت من باولو كويللو، بتصرفها هذا، عدواً لسياساتها، ولما لهذا الرجل من تأثير وسحر عالميين أخاذين، تتابعه الملايين من القراء والمعجبين حول العالم، فسيكون لآرائه وطروحاته الأثر في مواقفهم بالتبعية تجاه إيران، وعلى الرغم من أن إيران قد سارعت بعد أيام للتوضيح بأنها لم تمنع كتب كويللو شخصياً، إنما أغلقت دار النشر بكل ما فيها، فإن هذا التبرير لم ينطلِ كثيراً على المتابعين.

آت بهذه القصة اليوم لأقول مجدداً بأن فكرة منع حرية التعبير والكلمة، قد صارت فكرة خائبة، وأن كل محاولات التكميم والرقابة وإحكام السيطرة على انتشار الفكر ما عادت تجدي نفعاً، وذلك في عصر أضحت تنتقل فيه الأفكار كالشرار عبر وسائط الاتصال والتواصل الإلكترونية المتعددة!

نعم، قد لايزال ممكناً، إلى حد ما، تكبيل هذا القلم وذاك، وقمع هذا اللسان وذاك، ولكن آلاف الأقلام، وآلاف الألسنة، ستتوالد وتتكاثر، لتكتب وتقول ما لن يعجب الأنظمة والحكومات.

نعم يا سادتي، قد يخنقون بعض الأقلام والأصوات، فيصنعون منها رموزاً بغبائهم، ولكنهم أيضا سيستفزون العشرات من غير هؤلاء لينقلوا ويحاكوا ويتماهوا مع ما كتب، وحينها ستصبح قطرات الحبر الأولى، أنهاراً وبحاراً، وبضع الكلمات الابتدائية، عشرات ومئات وآلافاً من الصفحات والكتب والمجلدات!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة