آمال: العدوة... نهاية الخدمة


نشر في 04-01-2011
آخر تحديث 04-01-2011 | 00:00
 محمد الوشيحي الذين اشتغلوا في البرامج التلفزيونية يعرفون أن أمهات الكتب والمجلدات، التي تظهر خلف «العالِم» أو «المفكر» أثناء تقديمه برنامجه، ليست إلا أغلفة جوفاء، ينعق فيها البوم، لا ورقة فيها ولا مرقة، لكن المنتج والمخرج، بل و»العالِم» نفسه، يدركون أن «شعب عريبيا» ينبهر بالمظهر كثيراً، ويعلمون أن ظهور «العالم» أو «المفكر» أمام ديكور عادي سيدفع الناس إلى التشكيك في علمه وأفكاره. لذا وجب التزوير في التصوير.

«شعب عريبيا» تغرّه اللحية وتخيفه العمامة. ولو كنتُ أنا مكان النائب القلاف لاحتضنت عمامتي بشوق، ولقبّلتها تسعاً وتسعين قبلة، مفرّقةً في الكف والخدّ والفمِ، ولو كنتُ مكان النائب خالد العدوة لوقفت أمام المرآة، ووضعت أصابعي بين شعيرات لحيتي ورحت أغنّي لها وأدلّلها كما دللتني «لحيتي يا لحيتي لا رباع ولا سديس، وصّليني غايتي من ورى هاك الطعوس».

العدوة الذي يمتلك من الفصاحة ما يعينه على تخدير مستمعيه ولخبطة حواسهم الخمس، كان في سالف الأزمان ينثر الألقاب على «شيبان القبيلة» فتسير بها الركبان في رحلات الشتاء والصيف، فهذا «فارس القبيلة» – يقصد والدي رحمه الله، وكان يقول وهو يشير إليه: «مِن هذا الفارس أستمدّ شجاعتي وثباتي» - وذاك «حاتم القبيلة» والثالث «لقمان القبيلة» والرابع والخامس، فتتمايل رؤوس الشيبان زهواً وسلطنة... لَعَبَ في نفسيات شيباننا لعبْ، الله يسامحه، ولحسن الحظ أنه لا يعقد ندواته بالقرب من مرابط الخيل، وإلا استشهد شيباننا كلهم في تلك الليالي.

هي أيام كان فيها خالد العدوة يخفض هامته قليلاً كي لا يحتكّ بالسماء الدنيا فيطعجها فتتأثر أرزاق العباد. هي أيام كان فيها خالد يمسح على رؤوس الجبال بكفّه الحانية، كما يمسح المحسن على رأس اليتيم. هي أيام كان فيها خالد، رغم اختلافي مع نهجه، إذا تحدث في الندوة أو في قاعة البرلمان، صرخت النملة في وجوه بنيّاتها المزعجات «صه»، وهرولت النحلة تاركة مطبخها لتستمع إليه، وأرخت الكراسي آذانها، وتمايلت القاعة طرباً لفصاحته المخضبة بصلابته ورمت شالها. هي أيام كان فيها العدوة يوزّع ثمار كلماته على المارة وعابري السبيل فيتناولونها بنهم. هي أيام كان يزأر فيها خالد: «أنا من قبيلة تقتل جبانها فيفرح أهله»... هي أيام.

راحت الأيام تلك وجاءت أيام أُخَر، تقزّم فيها العملاق حتى باتت الزواحف تنظر إليه من الأعلى بشفقة. جاءت أيام يتلثم الناس فيها قرفاً من رائحة ثمار كلماته. جاءت أيام رفع فيها العدوة القضايا على «ابن فارس القبيلة»، كاتب هذه الدموع، فخسرها. جاءت أيام تمرغت فيها بعض اللحى في حقول النفط (وهنا يجب الانتباه جيداً إلى التعيينات النفطية القادمة وأسماء قياداتها، مع عدم إغفال «تصنيف الشركات النفطية الحديثة»، وهل استوفت شروط التصنيف أم لا). جاءت أيام يختبئ فيها العدوة ويهرب إلى ما وراء البحر بعد أن كان في الصدارة.

خالد... صدقني، في اللحظات هذه، أشعر أن الحروف الأبجدية تناقصت، لم تعد ثمانية وعشرين حرفاً كما كانت، سقط بعضها واختفى، لم يبق معي منها إلا نحو عشرة أو تزيد قليلاً، بالكاد تكفي لكتابة بعض الجمل المبعثرة: «اسحب شهادتك في الوالد، اسحبها حفاظاً على طهارة قبره، فلا حاجة له بها ولا بك. لا تدنس سيرته... خالد، احمل أوصافك وألقابك واذهب بعيداً عنا، لكن احرص على أن تكون (مكافأة نهاية الخدمة) مجزية».

back to top