قلنا مراراً وتكراراً إن حل مشكلة البدون جزئياً أو كلياً لا يكون من المنظور البوليسي والأمني الضيق الذي يعقّد هذا الملف أكثر وأكثر، ولربما يعطل حتى الحلول الترقيعية التي تتباهى بها الحكومة بين فترة وأخرى.

Ad

ولا نستدل على هذا الاستنتاج من وحي الخيال أو الاستخفاف بالكثير من الاجتهادات الحكومية في هذا الصدد، ولكن التجربة الواقعية وخبرة الثلاثين سنة الماضية كفيلة بإثبات هذا الفشل الذريع.

وقد وضعت الحكومة، وعلى لسان سمو رئيس مجلس الوزراء، نفسها في موقف سياسي حرج للغاية عند إعلانها الحل الجذري للبدون خلال 5 سنوات، وذلك باعتماد تقرير لجنة المجلس الأعلى للتخطيط بشكل "عمياني" ودون دراسة وفحص محتويات هذه الدراسة!

ومع احترامنا الشخصي لرئيس فريق العمل وأعضائه في مجلس التخطيط وما بذلوه من جهد خلال الشهور الماضية إلا أن تقريرهم النهائي يعج بالألغام التي تهدد بنسف حتى الحلول الجزئية في هذا الملف الشائك، ومن المؤسف حقاً أن لجنة منبثقة من المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية سيطرت على تقريرها العقلية الأمنية وتجاهلت تماماً البعد الإنساني وكيفية استثمار هذه المشكلة لدعم التنمية في بعدها البشري، فهذا التقرير الذي سرب منه بعض العناوين مازال سرياً، ولم ينشر من محتوياته سوى مصطلحات مثل من أخفوا وثائقهم، أي المزورين وعدد من شملتهم القيود الأمنية وعشرات الآلاف ممن تم تهديهم من الآن لترحيلهم إلى دول أخرى بعد ثلاث سنوات!!

وكنا نتمنى لو كلفت اللجنة نفسها عناء الالتقاء بأهل الاختصاص، وفي مقدمتهم مجلس الأمة ولجنة البدون البرلمانية فيه، ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة بحقوق الإنسان، أو على الأقل الدكتور غانم النجار الذي كرس حياته وجهده في البحث والميدان في متابعة هذه القضية، ووصل إلى مرتبة سفير للأمم المتحدة يستعان به في حل مشاكل البدون في العالم!

ومن يراجع المعلومات التي تم تسريبها عبر الصحافة من تقرير لجنة مجلس التخطيط يجد العجب العجاب، فالمزايا التي تم منحها للشريحة الأولى والميئوس منها للتجنيس والمهددة بالطرد من البلاد أفضل بكثير من الفئات الأخرى التي يمكن النظر في تجنيسها أو إعطائها الإقامة الدائمة؛ بما في ذلك إعلان الرغبة لزوجاتهم علماً أن إعلان الرغبة للزوجة موقوف منذ أكثر من ثلاث سنوات!!

واللغم الأكبر في تقرير اللجنة، وهو امتداد لعقلية اللجنة التنفيذية الأمنية، يتمثل في القيود الأمنية التي جاءت أغلبيتها العظمى بقدرة قادر لمن يحملون إحصاء 1965، وبغرض التهويل ومحاولة إخافة الكويتيين فقد دمجت القيود الأمنية اتهامات التعاون مع الغزو العراقي مع مخالفات المرور والجنح والجرائم الأخرى فقط لبيان أرقام مبالغة عن هذا العنوان المخيف!

وبحسب تجاربنا مع الحكومة في حسم هذا الملف منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي فإن الحل الجذري الحكومي قد يستغرق خمسين سنة أخرى، ولذلك نتمنى من الإخوة في الحكومة وأعضاء مجلس الأمة إقرار قانون الحقوق المدنية والإنسانية للبدون والمدرج على جدول أعمال المجلس فوراً، حتى تأخذ الحكومة راحتها في حسم هذا الملف بعد نصف قرن، لأن الوضع الإنساني للبدون لا يحتمل التأخير ولو ليوم واحد فما بالك بالأجندة الحكومية؟!