إعلام الترفيه
حين كان التلفزيون في الكويت يتيماً ورغم قِصَر فترات البث التي نجتمع حوله فيها، كان يحمل رسالة إعلامية وثقافية، ويقدم أعمالاً للطفل يشرف عليها فريق من دول الخليج يضع أعضاؤه نصب أعينهم تربية الجيل الصاعد ويحترمون عقلية المشاهد.
تلفزيون الكويت ورغم حداثته، ضم أساتذة كباراً وقدم برامجَ مختلفة من دون أن يكون همّه مصلحة إعلانية أو مادية، ورغم أنه كان تلفزيوناً رسمياً تقوم عليه الدولة ويشكل صوتها وصورتها الإعلامية، فإنه كان صوتاً رزيناً وصورة جميلة، فما الذي تغير اليوم؟ اليوم نرى مجموعة ضخمة من القنوات لم يعد للكويت منها إلّا مجموعة قليلة، لكنها جميعها تقريباً فقدت رسالتها وهامت على وجهها في الأثير، لم يعُد همّها ثقافة المشاهد أو وعيه وتنمية قدراته، ولم يعُد الطفل أو الشاب أو المرأة من همّوم هذه القنوات. ولم تعُد لهذه القنوات رسالة إعلامية هادفة أو واضحة، وربما القنوات الدينية، سنّية كانت أم شيعية، هي القنوات الوحيدة التي تدرك رسالتها وتعرف موضع أقدامها. في بيوتنا انتشرت قنوات تبثّ كل شيء ولا شيء في ذات الوقت، تثير غرائز أطفالنا وتنشر الشاذ من حكايات مجتمعنا، فلا رسالة أخلاقية ولا رسالة إعلامية أو ثقافية. شهر كامل تجتمع فيه العائلات لتشاهد خرافات السحر والشعوذة وخيانات الأمهات والآباء وغدر الإخوة والأعمام، والعثور على عمل هادف أخلاقي يحمل رسالة صادقة يبدو سراباً. طوال شهر رمضان وأنا أمنّي النفس بقناة من بين هذا الكم المخيف من القنوات، تقدم برنامجاً ثقافياً أو قراءة تاريخية أو أرشيفية لماضينا الجميل أو مستقبلنا الغامض. شهر كامل ومسلسلٌ يلد مسلسلاً نرى فيه كل جماليات وكماليات الأجساد وأزواج زهرة الخمسة ومفاتنها التي تتعدى عدد أزواجها. ولكي لا ننتقص حق أحد نرى أن المسلسلات التاريخية، وإن لم تقدم التاريخ كما يجب، هي الوحيدة التي تستحق المشاهدة، وهي التي تقدم ثقافة تاريخية لشعب يخاصم الكتاب وتهتم باللغة العربية وتقديمها من خلال قراءة جوانب من تاريخنا العريض، والذي يمكن تقديم عشرات القصص منه بذات القدرة والكفاءة التي قدمت بها أعمال مثل القعقاع بن عمرو التميمي وصلاح الدين الأيوبي وصقر قريش. الحديث عن تلفزيوننا الذي يحاول أن يواكب حركة المسلسلات يجرّنا إلى الحديث عن قنوانتا الأخرى التي لم تختلف كثيرا عن القنوات العربية الأخرى، بل اعتمدت الأسلوب الفضائحي بشكل أكبر من سواها، ويجرنا كذلك إلى الحديث عن صحفنا التي فقدت الكثير من بريقها السابق. أتذكر هنا صفحات الملاحق التي تضم بين صفحاتها مقالات كبار الكتّاب والمثقفين في الوطن العربي، وكان المواطن الكويتي إذا دخل بلداً عربياً سأله أهله إذا كان يحمل معه جريدة كويتية. للأسف أصبحت المحافظة على مكتسباتنا القديمة سباحة ضد التيار، وعدد المشاهدين والقراء هو الذي يحدد بوصلة عمل الرسالة الإعلامية، وإذا رضخت الوسائل الإعلامية لسطوة الإعلان ودخول التسويق كعنصر أساسي في المادة الاعلامية للقنوات التجارية، فلا أرى أيَّ مبرر لرضوخ المؤسسات الرسمية لهذه السطوة. لا نطالب بالكثير وسنكتفي بالمطالبة ببرنامج ثقافي وحيد وسط هذه المعمعة الترفيهية التي لا حدود لها ولا نهاية.