سقوط الأنظمة البوليسية!

نشر في 18-01-2011
آخر تحديث 18-01-2011 | 00:00
 خلف الحربي  تونس من أجمل الدول العربية، وشعبها من أكثر الشعوب وعياً وثقافة، ولكنها كانت دولة بوليسية بامتياز، صحيح أن البوليس في سائر ديار العرب يتحكم بكل ذرة أوكسجين، والأمر ليس حكرا على  تونس وحدها، ولكن ميزة رجل البوليس التونسي أن جهوده كانت محسوسة وليست ملموسة، بمعنى أنك لا تراه ظاهرا في الشارع لكن تلمحه في عيون الناس.

ولسنوات طويلة بقي رجال البوليس العرب معجبين بالقدرات الاستثنائية للبوليس التونسي الذي يرتكب جرائمه دون أن يترك أي دليل في مسرح الجريمة، حيث ينزل الغرباء إلى شوارع تونس، فيشاهدون صورا مختلفة للتعددية الحزبية والعمل النقابي وجمعيات حقوق الإنسان في الوقت الذي يطبق فيه البوليس يديه على رقبة البلاد حتى جحظت عيناها.

ولكن رغم كل ذلك سقط رجل البوليس المحترف تحت أقدام الأحرار، وهرب الرئيس المستبد بسبب بائع خضار فقير، وهذا يعني أن الرهان على البوليس وغرف التعذيب وتقارير المباحث هو رهان خاسر مهما طال بقاء النظام المستبد. ولا يخفى على أحد أن رجل البوليس الذي يتقاضى راتبه كي يحمي القانون في ديار العرب هو أكثر الموظفين اختراقا للقانون، وعلاقته مع الجمهور علاقة متوترة لأنهم يدركون بوعيهم الفطري أن هذا الرجل لا يحميهم بل يراقبهم ويعد أنفاسهم، وأحيانا يلفق لهم القضايا كي يقنع رؤساءه بأنه يؤدي عمله بشكل جيد، ولذلك فإن الضمير العام للناس لا يعتبر حالات الفوضى والتخريب أو حتى السرقة التي تحدث بين وقت وآخر حالات اعتداء على القانون، بل يعتبرها تحديا مجيداً لرجال البوليس الذين يقفون حائلا بينه وبين حقوقه المشروعة. والدولة البوليسية في الوطن العربي لا تكتفي بتعذيب المعارضين ومطاردة أسرهم، بل تجبر الصامتين على تأييد إجراءاتها، ولا تكتفي بتوفير الحماية للنظام المستبد بل تمتد حمايتها البوليسية لتشمل رموز الفساد الذين يرتبطون بعلاقات وثيقة مع النظام، ولا تكتفي بمحاصرة الصحفيين وقطع أرزاقهم، بل قطع ألسنتهم إذا لزم الأمر، بل تشغل بقية أجهزة الدولة لمتابعة ما يكتب على شبكة الإنترنت وتوظف (الهاكرز) للإيقاع بكل شخص يحاول أن يفكر خارج القطيع الوطني الكبير.

الدولة البوليسية العربية أهدرت كرامة الإنسان فاقتنع الإنسان العربي بأنه يمكن أن يعيش بلا كرامة، ثم أصرت على أن يستبدل هذا الإنسان أحلامه بالكوابيس فأقنع نفسه بأن المهم هو النوم وليس الأحلام، ثم امتد طغيانها لتسرق قوت يومه فلم يعد ثمة خيار سوى أن ينزل إلى الشارع كي يقضي عليها قبل أن تقضي عليه.

بالطبع رجال البوليس العرب لا يتوقعون أن ما حدث لزملائهم في تونس يمكن أن يحدث لهم، وحتى لو توقعوا ذلك فإن ردة فعلهم سوف تتركز على تعيين المزيد من رجال البوليس الصغار وليس تخفيف قبضتهم الحديدية التي تسحق الشعب، وهنا تسقط دولة البوليس في اللحظة التي تعتقد فيها أنها تمسك بزمام الأمور جيدا.

* كاتب سعودي

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top