في نهاية المطاف تقدمت قائمة الوسط الديمقراطي» خطوة صغيرة للأمام وحلت بالمركز الثالث، مؤكدة أنها خير التجمعات الوطنية الديمقراطية في صمودها وحيويتها وقدرتها على تجاوز الخلافات التافهة وتحشيد العناصر المؤمنة بالدستور، لقد علم الصغار الكبار ولانزال نتعلم من مدرستنا الأولى. كلما اشتدت رياح الطائفية تذكرتها، وكلما ضربت صواعق القبلية خفق قلبي فخراً بها، إنها الحاضنة الحضارية التي رعتنا تحت ظلال شعارها «ضد كل أشكال التعصب والتمييز» الذي جسده على أرض الواقع آلاف الطلبة المنتمين لأفكار قائمة وطنية ديمقراطية تأسست منذ عام 1974، ومازالت تنشر نورها إلى اليوم، إنها مصنع التعايش السلمي ولسان التسامح الذي يجمع ولا يفرق، يعمر ولا يدمر، إنها باختصار «قائمة الوسط الديمقراطي»، فهل سمعتم يوما أن أصحاب هذا القائمة وفكرها التقدمي أشعلوا فتنة أو شاركوا في مهاترات طائفية أو قبلية مقيتة؟ لن تجدوا ذلك.
قبل أعوام عندما أبلغني أحد الشباب المتحمسين بتأثر شديد، أن «الوسط الديمقراطي» هبط إلى المركز الرابع، تبسمت في وجهه وقلت ألا تعلم أن بين «الوسط الديمقراطي» والمركز الرابع أيام الثمانينيات علاقة وطيدة خلقتها مرحلة حرب الخليج الأولى والصحوة «الإخوانسلفية» الصاعدة على أكتاف حكومات أواخر السبعينيات؟كان الشارع الكويتي بأغلبه آنذاك للتو بدأ بإعادة اكتشاف الدين على مذهب حسن البنا والسلفية التي هزمت عند أسوار القصر الأحمر ومذهب الولي الفقيه، ولأن الخطأ التاريخي المتمثل في الدستور والديمقراطية قد بلغ مداه في ممارسة دوره الطبيعي في المشاركة السياسية، أدخلنا في غيبوبة الديمقراطية المباشرة وكرامات المجاهدين الأفغان، ووجدنا أنفسنا كدولة وشعب متورطين في هموم الآخرين وحروبهم العبثية ولأن لكل فعل رد فعل فقد حصدنا ولانزال قنابل الخير بعد أن لوثت عقول الناس بالفرقة والعصبية وبالخواء في أحيان كثيرة حتى بتنا ريشة يطيرها كل جاهل أو سفيه.الشاب المتحمس مازال حزيناً فسكبت عليه قليلاً من الأمل: أن الفوز بقيادة اتحاد الطلبة أمل منشود دون شك، ولكنه ظل دوما أقل أهمية من صنع جيل ديمقراطي ينتشر في المجتمع ليواصل عملية «الدمقرطة»، ألا ترى كيف أن «الوسطي» الناشط له حضور في المكان الذي يعمل فيه بعد التخرج ولا يجد صعوبة في التأقلم مع الناس على اختلاف مشاربهم كونه عاش تجربة ثرية في الجامعة، صاحبنا بدأ يستعيد نشاطه فأعطيته الجرعة الأخيرة: لم يكن «الوسط الديمقراطي» بمعزل عن انتعاش الديمقراطية فبمجرد أن استعاد الفكر الوطني الديمقراطي توازنه في الشارع بعد- عبث- تفتيت الدوائر الانتخابية قفز إلى المركز الثاني في انتخابات 85 وبعد التحرير أمسك بالمركز الثاني إلى أن بدأت مرحلة التدهور أواخر التسعينيات.قلت للمتحمس أليس غريباً استمرار هجوم طلبة «الإخوان المسلمين» على «الوسط الديمقراطي» حتى وهو قابع بالمركز الرابع فلماذا؟ إنهم يعرفون خصمهم الحقيقي وهو الفكر المستنير ويدركون خطورة تجاهل وجوده.في نهاية المطاف تقدمت قائمة «الوسط الديمقراطي» خطوة صغيرة للأمام وحلت بالمركز الثالث، مؤكدة أنها خير التجمعات الوطنية الديمقراطية في صمودها وحيويتها وقدرتها على تجاوز الخلافات التافهة وتحشيد العناصر المؤمنة بالدستور، لقد علم الصغار الكبار ولانزال نتعلم من مدرستنا الأولى، فهل من جديد يا «وسط»؟ هل من جديد؟الفقرة الأخيرة: بسم الله والله أكبر... نفرت الأوراق من رقبة معرض الكتاب، فانطفأ النور من منارته، وسدت الأوراق «المكرمشة» بقبضة الرقيب شرايين حياته، فدخل فخر الكويت الثقافي في غيبوبة الصحوة، والتف حوله المخلصون يدفعون عنه محاولات نزع أجهزة الإنعاش، فالأمل مازال يحدوهم بأن يصحو من جديد.
مقالات
الاغلبية الصامتة : شعلة الوسط الديمقراطي
30-09-2010