سأصدق ما قالته قيادات وزارة الداخلية في مؤتمرها الصحفي الأول، وأقبل كذلك بتسجيل الفيديو المبتور لثوان معدودة، والذي أعيد عرضه مئات المرات للتركيز على مشاهد بعينها، إثباتا لغوغائية المتجمهرين أمام ديوان النائب جمعان الحربش، سأصدق هذا، وسأصدق كذلك أن تجمع قوات الأمن الخاصة أمام باب بيت النائب الحربش وركلهم للباب وضربهم لمن في الداخل بالهراوات وهو الذي رأيته بعيني في الصور كان بهدف مساعدة الناس على الخروج بأمان كما زعمت قيادات وزارة الداخلية، وسأصدق أيضا بأن الرصيف هو المجرم الحقيقي الذي أسقط العشرات من النواب والأفراد وأصابهم بالكسور والجروح، وأن رجال الأمن كانوا في الحقيقة يساعدونهم على الوقوف.

Ad

سأصدق هذا وسأرمي في مقلب القمامة بعشرات الصور ومقاطع الفيديو التي بثتها كاميرات الهواة منذ الدقائق الأولى لوقوع الحدث، حتى قبل أن تدرك الحكومة، وقيادات وزارة الداخلية فيها، أنهم أوقعوا أنفسهم في مأزق حرج، فراحوا يفكرون بعقد مؤتمرهم الصحفي للحديث عما حصل على غير عادتهم!

سأترك هذا كله وسأتوقف معكم عند صورة واحدة فقط... تلك الصورة التي انتشرت في كل الآفاق للخبير الدستوري دكتور القانون أستاذ الجامعة عبيد الوسمي، وهو ملقى على الأرض ويتناوب على ركله بالأحذية العسكرية وضربه بالهراوات رجال القوات الخاصة، وسأفترض أيضا بأن د. الوسمي، وفي تلك اللحظات كان قد تخلى عن كل علمه بالقانون وكان بالفعل مشاغبا يستدعي التعامل معه بحزم.

وهنا سأقول إن ما نعرفه بأن قوات الأمن، بكل أشكالها، ليست سلطة عقابية ابتداء، وبالتالي فإن دورها يتمثل في ضبط المجرمين والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة، وبالتالي فكيف يراد لنا أن نبتلع هذا المشهد؟! كيف يراد لنا أن نقتنع بأنه لم يكن بالإمكان إلقاء القبض على د. الوسمي وكل المشاغبين واقتيادهم للعدالة، دون الحاجة للتوسع بهذه الطريقة المرعبة في ضربهم بالهراوات؟! نعم سأقبل ما قالته قيادات وزارة الداخلية إن المتجمهرين هم من بدؤوا باستفزاز الأمن برميهم بالزجاجات الفارغة والأحجار، فهذا قد لا يستبعد من عوام الناس، ولكن كيف يمكن أن نقبل بأن تلك القوات الخاصة المدربة والمجهزة على التعامل مع حالات الشغب نفسيا وجسديا وعتادا، وقعت في هذا الاستفزاز فعلا فخرجت عن طورها، فاندفعت نحو ضربهم بالهراوات في التو واللحظة، بدلا من قيامها بواجبها لتفرقة المتجمهرين وضبط المشاغبين منهم وإحضارهم إلى العدالة؟! هذا لا يقبل، بل لا يعقل!

إن ما حصل وبكل بساطة كان استعراضا للقوة ومحاولة لإثبات الهيبة من قبل النظام، مدفوعا بالدافع السياسي لتصفية الحسابات لا الدافع الأمني، فهذا كان ممكن التحقيق من خلال القبض على المشاغبين مباشرة، وتفريق الجموع برش المياه على سبيل المثال وغير ذلك، لو هم أرادوه فعلا، دون اللجوء مباشرة إلى استخدام العنف بهذه الطريقة المبالغ فيه.

يا سادتي... يا لغباء من يقوم بتوحيد خصومه في جبهة واحدة ضده، وأحداث الأمس وحدت كل خصوم الحكومة، على اختلاف توجهاتهم في مواجهتها، وستستمر باقتراف الغباء إن هي ظنت أيضا أن التعتيم الإعلامي الذي تحاول فرضه سيجدي نفعا، فالمعادلة الإعلامية لم تعد اليوم بيد الأنظمة، بل أضحت بيد الأفراد، كلمة وصوتا وصورة، والعالم كله شاهد وسيشاهد حقيقة ما جرى وسيجري، وكل محاولة جديدة لفرض التعتيم، هي لطمة أخرى ستوجهها الحكومة لنفسها.

وكذلك فعلى الحكومة ألا تنسى أن الكويت ليست جمهورية مترامية الأطراف حتى يتسنى ضرب سكان العاصمة بقوات من أبناء الأقاليم البعيدة مثلا، بل إن قوات الأمن في نهاية المطاف هي جزء من نسيج الشعب، لذلك فإن إساءة تسيير هذه القوات لن يعود إلا بالألم والفشل على الحكومة نفسها ولو بعد حين، وعليها أن تدرك أن كل ضربة توجهها لأجساد الناس بهذه الطريقة الفجة الخارجة عن الصواب، ستوقظ ألف خلية في العقول، وسيزداد الوعي بخطأ الحكومة وخطأ ممارساتها، وسيزداد الحنق والغضب الشعبي إزاءها.

وأما من رآى فيما جرى فرصة للتشفي بهذه الفئة أو تلك من المجتمع، فعليه أن يعيد حساباته، فلا يأمن مكر الأقدار، وألا ينسى ألا صاحب دائما أو صديق أبديا لأي نظام في العالم، والتاريخ على هذا يشهد، والهراوة التي طاحت اليوم يمينا، ليس ببعيد أن تطيح في الغد شمالا، والأيام دورات، والسعيد من اتعظ بغيره! إن العنف قد يدمي الأجساد ويؤذيها، ولكنه في ذات الوقت يستفز العقول ويبينها ويشد من عزائم الرجال، وما حصل بالأمس سيرفع من وتيرة الصراع السياسي إلى مستويات جديدة مختلفة شكلا وموضوعا، وستشهد الساحة خطابا وممارسات جديدة ولا شك، وإن لم تدرك الحكومة هذا بأنها قد أدخلت نفسها في نفق صعب، محليا وإقليميا ودوليا، فتعيد إصلاح ما كسرته بنفسها في لحظة تهور، فإنها لن تجني سوى الندم، وستكون الخاسر في النهاية!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة