ما قل ودل: فتنة أطلت على مصر... وأخرى تطل الآن
منذ مئة عام في مطلع عام 1911 كتب شاعر النيل حافظ إبراهيم، يصف ما جرى بين المسلمين والأقباط، من وقائع وأحداث، أراد الاستعمار، أن يبذر بها بذور الفتنة بينهم، كتب قصيدة اخترت من أبياتها ما يصدق على أحداث كنيسة القديسين مطلع عام 2011:وهمٌ أغار على النُّهى وأضلَّها
فجرى الغبيُّ وأقصرَ المتعلمُفهموا من الأديان ما لا يرتضي دين ولا يرضى به من يفهمُقد ضمّنا ألم الحياة وكلّنافنحن على السواء وأنتمُ فقد استغل الاستعمار البريطاني بقيادة الدون جورست المعتمد البريطاني، اغتيال بطرس باشا غالي رئيس الوزراء (النظار) على يد شاب مسلم هو إبراهيم ناصف الورداني، قبل ذلك بعام وبالتحديد في 20 فبراير 1910 ليبذر بذور فتنة كادت تقع بين المسلمين والأقباط، وكان من بين أهداف الاستعمار استغلاله كذلك لتصفية الحزب الوطني، الذي خلف مصطفى كامل في زعامته الزعيم محمد فريد، باتهام الحزب بأنه كان خلف هذا الاغتيال، والقبض على عدد من شبابه، وقد كان الحزب الوطني أول من وضع أساس الوحدة الوطنية في نضاله ضد الاستعمار.إلا أن نسيج الأمة الواحد من مسلمين وأقباط قد احتوى هذه الفتنة، متنبها لأهداف الاستعمار، فقد اعترف المتهم، بأن الرصاصة الأولى كانت من أجل السودان، وأن الرصاصة الثانية كانت من أجل دنشواي، كما كان من أسباب ارتكاب الشاب لجريمته، أن بطرس باشا غالي، كان قد أعد مشروع مد امتياز قناة السويس لمئة عام أخرى بعد عام 1968، وهو ما يقطع بأن بواعث الشاب كانت بواعث سياسية، وليست دينية.كما كان للقاضي المصري متولي غنيم، فضل في ضرب المخطط الاستعماري عندما أصدر قرارا بالإفراج عن شباب الحزب الوطني، الذين تم القبض عليهم في أعقاب اغتيال بطرس غالي، وقراره بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية عليهم، وإحالة الورداني وحده إلى محكمة الجنايات التي قضت بإعدامه، ونفذ فيه حكم الإعدام بالفعل، فقد ضرب القاضي غنيم بقضائه العادل مخطط الإنكليز والخديوي، واعتبر حكمه في هذا الوقت أعظم حدث في القضاء المصري، وشاهدا على عدالته ونزاهته، وأنه لا يخشى في الحق سطوة حاكم أو بطش محتل، وقد عكست مشاعر المصريين نحو هذا القاضي قصيدة للشاعر علي الغاياتي، والتي قال فيها. حكمت فأرضيت البلاد وأهلهاوحياك عيسى بعد موسى وأحمدَسلام عليك يا خير عادل أعاد عهد الراشدين وجدداكما احتوى المسلمون والأقباط هذه الفتنة، بتكاتفهم وتضامنهم ونسيجهم الواحد، وجريمة فجر اليوم الأول من مطلع هذا العام، التي وقعت في ساحة كنيسة القديسين التي راح ضحيتها العشرات ما بين قتيل وجريح هي جريمة تلعب أصابع خفية وراءها لزرع فتنة بين المسلمين والأقباط، تهدد المساجد فبل الكنائس والمسلمين قبل الأقباط، والأطفال قبل الرجال، بنارها التي لن ترحم طفلا ولا شيخا أو رجلا أو امرأة، فالكنائس في كل حي تعانق المساجد، والأقباط في كل بقعة من مصر يشاركون إخوانهم المسلمين منازلهم وأماكن عملهم ومدارسهم ونواديهم، وقد زاد من بشاعة هذه الجريمة أنها وقعت في بيت من بيوت الله، ومع أولى ساعات فجر جديد لعام جديد، بعد ليلة يحتفل فيها العالم كله بنهاية عام وبداية آخر، وفي عيد من الأعياد الدينية للمسحيين، وأنها زادت من الاحتقان الطائفي بين المسيحيين والمسلمين في أعقاب الاعتداء الذي وقع على إحدى الكنائس في نجع حمادي إحدى مدن الصعيد ليلة عيد الميلاد المجيد في السادس من يناير سنة 2010، الذي راح ضحيته أرواح بريئة.إنها جريمة تفتح عيوننا على الخطاب الديني في مصر، وهو خطاب لا يقوم على قبول الآخر، بل على نبذه وتكفيره ورميه بأبشع الصفات والأوصاف، وضرورة تجديد هذا الخطاب، حتى لا يتكرر ما وقع، ووأده لفتنة توشك أن تندلع بين نسيج الأمة الواحدة.وللحديث بقية إن شاء الله حول تجديد الخطاب الديني. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة