أثبتت أحداث الأسابيع الماضية أننا أبعد ما نكون عن الديمقراطية، فقد فشلت الحكومة ومجلس الأمة في ممارسة الأصول الديمقراطية، وعدنا إلى أسوأ ما في الأسلوب العشائري في حل المنازعات والاختلاف حول أمور العشيرة... تركنا قاعة البرلمان ونصبنا الخيام للمنازلة، وأخذنا في استعراض القوة وإبراز العضلات ونحر كل مخالف للرأي، فتأتي زعامة العشيرة لتحل النزاع بالقمع وضرب المعترضين ونصبح في ليلة وكأن خمسين عاماً على إعلان الدستور وممارسة الحياة البرلمانية لم تكن.

Ad

حين أشاهد صور قوات الأمن تضرب الناس بالهراوات في عصر يعاقب على ضرب الحيوانات، وحين أرى نواب الأمة يستعملون لغة وأسلوبا مستهجناً خارجين على كل الأعراف، وحين أرى أطرافاً أخرى تعمل على إذكاء نار الخلاف وضرب الوحدة الوطنية بإعادة كل مراحل الخلاف وتضخيم الأخطاء وتشجيع الحكومة على البطش لا حباً بها إنما تأليباً للناس عليها، فإن الألم يعتصر النفس لمظاهر التدهور في حياتنا السياسية والاجتماعية.

لقد تابعت خطابات بعض نوابنا ومن ركب الموجة استعداداً للانتخابات القادمة، ورأيت مأساة الخطاب السياسي في الكويت... ضحالةٌ في المعاني، وكلامٌ بلا وعي أو إدراك لمقاصده أو تأثيره، وشجاعةٌ مدّعاة في غير موقعها، وسبٌ علني لكل من لا يقف معهم، وتخوينٌ لزملاء معهم لاختيارهم موقفاً مغايراً... فأين هذا من الديمقراطية؟ وأين الخبرة التي اكتسبناها على مر هذه السنين؟ وأين أخلاق أهل الكويت في تعاملهم مع بعضهم؟ لماذا أضعنا البوصلة فلم نعد نعرف كيف نتصرف حين يشتد الخلاف؟ ولماذا عدنا إلى عصور الجاهلية حيث كل طرف يريد أن يُري الطرف الآخر بأسه وقوته بالصراخ والضرب بدلاً من النقاش الموضوعي تحت قبة البرلمان المكان الطبيعي لعلاقة الحكومة بالنواب؟

خسارة نصف قرن من العمل البرلماني لم يتعلم منها البعض حرفاً.

نوابنا الأفاضل قرؤوا الدستور، ويفترض أن يعرفوا صلاحياتهم، ويعملوا ليلاً ونهاراً لتعديل كل القوانين المخالفة للدستور نصاً وروحاً... في معظم مواد الدستور وضعت القواعد الأساسية للحريات وللعلاقة بين السلطات في البلاد، وفي نهاية كل مادة ينص على أن تكون في حدود القانون أو ينظمها القانون. ومعظم الخلاف بين الحكومات والبرلمانات في العالم تأتي من هذا الخلل بين القاعدة والقانون الذي ينظمها، ولذلك فإن مهمة مجلس الأمة الأساسية والطبيعية هي أن تكون القوانين ملتزمة بقواعد الدستور، وتصاغ بحيث لا تترك مجالاً للاختلاف. وللأسف فإن معظم قوانينها لا تطابق القواعد الدستورية أو أن صياغتها تحتمل أكثر من تأويل، وتخلق أزمات بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولو كان النواب حريصين على عدم إعطاء الحكومة أي فرصة للتجاوز على الدستور، فإن مهمتهم العمل على تعديل القوانين بما يتفق تماماً مع الدستور نصاً وروحاً.

يبقى جانب دعاة الفتنة وهم طرف ثالث في معادلة الحكم بالبلاد، هؤلاء هدفهم الرئيس هو تكفير الناس بالديمقراطية والدستور، وشق الصف لأغراض شيطانية لابد من الانتباه إليها. فبعض الفضائيات والصحف خرجت عن مفاهيم حرية التعبير إلى حرية التخريب، وعملت بدأب وبوسائل ممجوجة على تخريب العلاقة بين الكويتيين، فأثارت الفتن الطائفية والقبلية وشتمت الناس في معتقداتهم ومواقفهم. وكان لهم تأثير كبير في الفوضى التي عصفت بالبلاد.

نحن بحاجة إلى توسعة المدارك وتحديد الأولويات وحماية مكتسباتنا الديمقراطية والالتفات بقوة إلى بناء البلاد وحمايتها من التدهور. لا نريد العودة إلى شريعة الغاب ولا نريد تمزق وحدتنا الوطنية ولا نريد أن نعطي فرصة للمخربين لإفشاء الفساد بين الناس حتى يضعف الناس فيأكلون البلاد لقمة سائغة.

نوابنا الكرام الكرة في ملعبكم، فبدلاً من الحديث البطولي في الندوات حدثوا قوانيننا ونقوها من كل مادة غير دستورية، وحافظوا على القوانين أنتم أنفسكم، لكي لا تستطيع أي حكومة التجاوز على الدستور أو علينا، وأزيلوا عن نفوسنا حالة الاكتئاب التي تشاركتم مع الحكومة في زرعها فينا، وأرونا حرصكم على الدستور من خلال «قاعة عبدالله السالم» وبعمل جاد وحثيث لتنقية القوانين الحالية وتقديم تشريعات جديدة تصب في دعم الديمقراطية ووحدة الشعب الكويتي.