أول شيء سيفعله تنظيم «القاعدة» بعد الانسحاب الأميركي هو إعادة الانتشار في العراق, إنها لعبة مسلية جداً بالنسبة لزعماء هذا التنظيم الإرهابي: تقليص مساحة انتشار عناصر التنظيم في أفغانستان بعد زيادة عدد القوات الأميركية هناك وزيادة مساحة انتشار التنظيم في العراق بعد الانسحاب الأميركي... «خذ وهات»، وهذا بالضبط ما تبحث عنه «القاعدة» كي تنهك أميركا وحلفاءها.
تبدو الجهة أو المؤسسة التي تدفع ثمن الإعلانات التلفزيونية التي تدعو العراقيين إلى التكاتف والسلم الأهلي وبناء الوطن ومكافحة الإرهاب غير واضحة المعالم، لكن ما هو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار أن هذه الإعلانات تروج لسلعة غير موجودة في «السوبرماركت»، فالعراق اليوم بلا حكومة وبلا سلطة احتلال, أي ليس مستقلاً ولا محتلاً، إنه هكذا: بلد عظيم معلق في الهواء!في الانتخابات لم يعثر العراقيون على الرجل الذي يجمع شتاتهم ويوحد صفوفهم المتناثرة، أو أنهم لم يبحثوا أصلاً عنه حيث تفرقوا شعوباً وقبائل ومذاهب وأحزاباً، فكانت النتائج المتقاربة التي جعلت من تشكيل الحكومة مهمة في غاية التعقيد والصعوبة، لتعود حالة الفراغ السياسي وتطل الفوضى الأمنية برأسها من جديد ويعيد الإرهابيون جرد الأحزمة الناسفة.وفي هذه الظروف التي يمر بها العراق اليوم يبدو الانسحاب الأميركي شيئاً أشبه ما يكون بالمزحة الثقيلة, فمهما قيل عن كون هذا الانسحاب مبرمجاً أو مجدولاً، فإنه نصف هروب... أو بوصف أدق: اختباء مكشوف!فالولايات المتحدة تريد أن تنسحب من مشاكل العراق الداخلية، ولكنها في الوقت ذاته تريد أن تسيطر بشكل مباشر على مشاكله الخارجية, فهي لا تستطيع أن تتركه تماماً لأنها تخشى أن يتحول إلى مرتع لتنظيم «القاعدة» والمليشيات الموالية لإيران، ولا تريد في الوقت ذاته أن تدفع ثمن الدخول في التفاصيل العراقية المعقدة... لذلك قررت أن يدفع العراقيون ثمن هذه التفاصيل مهما كانت خسائرهم بينما تبقى هي في الخارج تتدخل متى ما تعرضت مصالحها للخطر!ولكن الانسحاب لن يجعل الولايات المتحدة بعيدة عن الأذى ما لم يستقر العراق ويسوده الأمن والسلام, سوف تصل إليها نيران العنف القادم من العراق حتى لو وقفت بعيداً خلف الجدران، وستفاجئها هجمات الانتحاريين الذين تدربوا في العراق حتى لو ابتعدت في عرض البحر, فمن دون إيجاد حل سياسي حقيقي للمشكلة العراقية، فإن كل كيلومتر يخليه الجيش الأميركي سيستولي عليه الإرهابيون!أول شيء سيفعله تنظيم «القاعدة» بعد الانسحاب الأميركي هو إعادة الانتشار في العراق, إنها لعبة مسلية جداً بالنسبة لزعماء هذا التنظيم الإرهابي: تقليص مساحة انتشار عناصر التنظيم في أفغانستان بعد زيادة عدد القوات الأميركية هناك وزيادة مساحة انتشار التنظيم في العراق بعد الانسحاب الأميركي... «خذ وهات»... تتغير خارطة المعركة... وهذا بالضبط ما تبحث عنه «القاعدة» كي تنهك أميركا وحلفاءها.أما العرب فهم لا يتدخلون عادة في شؤون العراق الجديد مثلما لم يكونوا يتدخلون في شؤون العراق القديم, فقد كانوا منذ البداية خارج الحسابات وسيبقون كذلك, وهم اليوم غرباء تماماً على الحالة السياسية التي يعيشها العراق ولا يعرفون الحدود الفاصلة بين الديمقراطية والفوضى, ولكن الانسحاب الأميركي قد يدفعهم إلى تقليب فرصهم الضعيفة لجمع كلمة العراقيين ومساعدتهم للخروج من هذه المتاهة الخطرة!* كاتب سعودي
مقالات
الانسحاب الاميركي وتعليق المصير!
05-09-2010