منذ أن اندلعت الثورات واشتعلت النار في الهشيم منذ أيام قليلة، في بلاد بني يعرب، في تونس ومصر، والحديث المسيطر بين الناس، كباراً وصغاراً، في أغلب حواراتهم، هو الحديث حول هذه المسألة المثيرة للاهتمام، شكلاً وموضوعاً.
وقد لاحظت أنه كلما تحمس أحد ما في أثناء حديثه عن الموضوع، وشعر الحاضرون من كلامه التأييد لهذه الثورات، سارع أحدهم ليسائله، بطريقة لا تخلو من اتهام، إن كان يؤيد أو يرمي إلى قيام شيء من هذا في بلادنا، ليبادر المتحدث المسكين، بطبيعة الحال، إلى إنكار ذلك، والكف عن الحديث أكثر، خوفاً من الوقوع في ما لا تحمد عقباه!وهذا التساؤل أو الاتهام، في رأيي، ما هو إلا ضرب من السخف المدهون بالدناءة غالباً.يدرك الحكماء أن كل من يؤيد هذه الشعوب في سعيها إلى الحصول على حريتها المسلوبة لا يعني تلقائيا أنه يدعو إلى مثله في بلاده، وأن الثورة، بمعناها المتبادر إلى الذهن أي كما رأينا في تونس ومصر، ما هي إلا وسيلة وليست غاية، كما أن الجميع يدركون أيضا أنها وسيلة صعبة، بتكلفة باهظة جدا تدفع بالدماء، ولهذا فلا يوجد إنسان عاقل يدعو إلى الثورة لمجرد الثورة، هكذا حماساً فارغاً أو خبط عشواء، وحتى لو وجد مثل هذا الشخص الطائش الضحل التفكير، فهيهات أن يستجيب له الناس، وفي الوقت نفسه فإن لكل واقع ظروفه المختلفة، ولكل ظروف أدواتها المناسبة للتعامل معها.في حالة تونس ومصر، فقد ذاقت الشعوب هناك الأمرين، وقاست أشد أنواع الألم على مدى عقود من الزمن تحت قهر أنظمة أحكمت الخناق على رقابها، ولم تذق طعم الحرية منذ زمن بعيد، فكيف للمرء «السوي» أن يتخذ موقفاً معارضاً لحقها هذا؟! صحيح أنه من غير اللائق أن يتدخل غير المصري وغير التونسي، في تفصيلات الحراك الداخلي لما يجري، فلا ينجرف كثيراً في التنظير لأنه سيبقى في نهاية المطاف ينظر من الخارج، لكن ما يجب ألا نختلف عليه هو أن الحق مع الشعوب، ولا يصح تأييد الأنظمة المتسلطة لأي سبب كان.أما في واقعنا الكويتي فنحن ولله الحمد نعيش في ظل نظام سياسي قام على التراضي الشعبي؛ لكونه يوفر حياة دستورية برلمانية واضحة المعالم إلى حد كبير، وجعل الشعب يرفل بأوضاع معيشية مستقرة إلى مدى بعيد، وبالتالي فلا وجاهة حتى لمجرد التفكير، ناهيك عن القول، إن هناك من يدعو إلى ثورة أو خروج على النظام!نعم، لدينا الكثير من الجوانب التي تحتاج إصلاحاً، وأن من هذه الجوانب ما هو خطير جداً وحساس، وتزايد بشكل سافر أخيراً، ومنها الممارسات السياسية السيئة، وبالأخص من قِبل الحكومة، وهو ما يحتاج وقفة برلمانية إعلامية شعبية حازمة، وجوانب الفساد الإداري والمالي التي تحتاج إصلاحاً منهجياً حقيقياً، وتلك التجاوزات والتطاولات الفاحشة على حرية التعبير، وغيرها من الأمور، إلا أن المشتغلين بالشأن السياسي الكويتي، على اختلافهم، يدركون بلا استثناء، أن الحالة الكويتية سيظل فيها الكثير من الأدوات السياسية المناسبة لمواجهة هذا كله وإن شيئاً فشيئاً.الكويت، بما لايزال فيها من مساحات واسعة من الحرية، ليست عرضة لمثل هذه الثورات الدامية، ونظامنا الحاكم يدرك تماماً أن صمام الأمان لاستقرار هذا البلد هو الدستور، لا كوثيقة موضوعة على الرف، إنما كوثيقة يحرص على تطبيقها بمصداقية وشفافية، وكذلك وجود العملية الانتخابية وسيرها بنزاهة دون عبث وتزوير، وصيانة الحرية الإعلامية دون إفسادها، وكذلك حرية الاجتماع والتعبير بالوسائل السلمية. وصحيح أن البحبوحة الاقتصادية والاستقرار المعيشي هما من عناصر التهدئة للشعوب على مر التاريخ، والشعب الكويتي ليس استثناء، لكن المراهنة على هذين لوحدهما هي رهان خاسر على المدى الطويل.إن الشعب الكويتي يقدر ويحترم وجود أسرة الحكم، ويؤمن بأنها من قواعد الاستقرار للنظام السياسي الكويتي، ولكن على أسرة الحكم أن تحافظ بدورها على هذا الالتحام الشعبي بها من خلال الإيمان الحقيقي وصيانة صمامات الاستقرار التي ذكرناها، حتى يسير المركب بنا جميعا في بحر هادئ إلى بر الأمان بعيداً عن عبث العابثين، وعن مكر المتصيدين في المياه العكرة الآسنة.
مقالات
الكويت... تحت ظلال الثورات!
03-02-2011