هل يتجسد مأزقنا الحالي في طلب عدم التعاون المزمع التصويت عليه في الخامس من يناير الجاري ضد سمو رئيس الوزراء؟

Ad

المأزق الراهن بالإمكان ربطه بأشخاص الأزمة الحاليين، أما المأزق الدائم فمرتبط بطبيعة النظام الذي نريد، هل نريد نظاماً ديمقراطياً دستورياً أم في المقابل نريد نظاماً مركزياً مطلقاً عشائرياً؟

المأزق الراهن قد ينتهي قريباً، ولكنه سيعاود الظهور مكرراً إن لم يتم حسم والخروج من المأزق الدائم عن قناعة والتزام بشكل نهائي، ومن ثم تبدأ خطوات البناء على هذه الأرضية لا غيرها.

نحن بحاجة ماسة إلى قراءة التحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع خلال العشرين سنة الماضية، لكي نفهم ما يجري، وإلا فإننا سنقع في فخ الثنائية المصطنعة من أن مجمل الأزمات هي ليست إلا صراعاً بين حكومة من جهة وحفنة نواب تأزيميين من جهة أخرى.

التحولات الاجتماعية هي الأمر الطبيعي، كما أن حجم التحولات السياسية التي دخلت في رحم النظام السياسي خلال الخمس سنوات الأخيرة، يضاف إلى ذلك التطور المذهل في وسائل التنظيم وتكنولوجيا الاتصال تجاوزت بمراحل جمود حكومة رشيدة، وتقليدية نواب معارضين، إن جاز التعبير. خلال السنتين الماضيتين تشكلت العشرات من المجاميع الشبابية من شتى الاتجاهات، لم يكن من هذه المجاميع من المرتبطين بهذا النائب أو ذاك بشكل مباشر، كما لم يكونوا بالضرورة تابعين لتنظيم محدد، كان الهم المشترك هو عدم الرضا عن الأوضاع، واللوم موجه إلى الحكومة بشكل أساسي دون نسيان لوم البرلمان ونوابه. تعرّفي على العديد من تلك التجمعات منحني ربما فرصة نادرة لتحسس حراك من نوع آخر يتجاهله الناس والمحللون ويركزون فقط على نائب معترض وحكومة تائهة فتتوه معها الرؤية، ونركز على الصراع التقليدي الذي ضاع هو الآخر، هناك حراكات أخرى متنوعة في المجتمع تجاوزت النمط السياسي التقليدي، وهي التي قد تقرر المسار القادم.

الحقيقة العارية المريرة هي أننا ومنذ بزوغ فجر الدستور في 1962 لم يهنأ لنا بال لجني ثماره، فتعاقبت الحكومات المختلفة محاولة إصلاح ما ظنوه «خطأً تاريخياً» فمن تزوير 1967 ثم تجميد الدستور 1976 ومحاولة تنقيحه 1980، ثم تغيير الدوائر الانتخابية لـ25 دائرة في 1981 ثم تقديم مشروع تنقيح الدستور 1982 ومرة أخرى حل المجلس وتجميد الدستور 1986، وإلغاء المجلس نهائياً من خلال انتخاب المجلس الوطني 1990، وحتى بعد التحرير من الغزو ظلت الفكرة معششة في رؤوس البعض حين تمت دعوة المجلس الوطني إلى الانعقاد مرة أخرى.

إن أي قراءة للوضع تركز على فلان وعلان هي ليست إلا قراءة جزئية، وبالتالي فقد آن الأوان لردم تلك الأفكار ودفنها في غيابة الجب بلا عودة، عدا ذلك، فإن من يدفع لمركزية النظام فإنما يدفع لتفكيك الدولة وإنهاكها بل وإنهائها. والفهم الخاطئ لتحولات المجتمع يؤدي إلى قرارات خاطئة والتي قد تؤدي إلى كوارث كما حدث في السابق ولا حول ولا قوة إلا بالله. وللحديث بقية.