* لقد درج استخدام مصطلح الحرب الناعمة في السنة الأخيرة كثيراً، وكان ذلك عن حق من الموضوعات الأساسية التي ظللت سماء المنطقة وأرضها طبعاً!

Ad

ومفهوم الحرب الناعمة باختصار هو اللجوء إلى أدوات ومنهج اشتباكي مع الخصم عبر أدوات غير الأدوات الخشنة- مقابل الناعمة- ومنهج هو غير منهج المواجهة المباشرة!

وقواعد الحرب الناعمة كما يقسمها أهل الاختصاص والخبرة هي كالتالي:

أولاً: اللعب بقواعدك في ساحة الخصم، وهي الحالة الأمثل أو المثلى.

ثانياً: اللعب بقواعدنا في ساحتنا وهي حالة جيدة نسبياً.

ثالثاً: اللعب بقواعد الخصم في ساحة الخصم، وهي حالة سيئة نسبياً.

رابعاً: اللعب بقواعد الخصم في ساحتنا، وهي الحالة الأسوأ.

بعد فشله في معاركه الخشنة والقاسية كافة والتي تطلبت الشجاعة والكفاءة القتالية والمقدرة على الصمود والصبر، لجأ العدو الخارجي لأمتنا في الآونة الأخيرة إلى النوع الآنف الذكر من المعارك معنا دون حذف الخيار الآخر. حصل هذا في فلسطين كما في العراق كما في أفغانستان كما في إيران كما في لبنان، كما في أقطار عربية وإسلامية أخرى وإن بدرجات أقل.

ننطلق من الحالة اللبنانية لأنها الأقرب وأيضاً لأنها الأكثر التصاقاً بمصداقيات ما نحن بصدد مناقشته فنقول:

بعدما اكتشف العدو الصهيوني وبكل وضوح في حربي «تموز» اللبنانية و»كانون» الفلسطينية أنه لم يعد قادراً على خوض حروبه العسكرية المعتادة بهمجيتها وتدميريتها المعروفة وبالشكل الخاطف والسريع والسهل، كما كان قد اعتاد من قبل, قرر تغيير النهج وقواعد الاشتباك معاً فكان خيار الحرب الناعمة!

ما هو نهج الحرب الناعمة كما يقول أصحاب الاختصاص؟

- ألّا يظهر العدو أو الخصم الحقيقي على الشاشة مطلقاً.

- أن يعم جو التشكيك والترديد في كل الثوابت التي اعتمدها الخصم حتى الآن في الصراع.

- أن يتمظهر الاشتباك مع الخصم الخارجي بلون محلي تماماً، بمعنى أن يتبلور الوكيل المحلي في إطار بيئة حاضنة لأهداف الخصم بطريقة غير مباشرة.

- رابعاً، وربما هو الأهم، أن يستعير الوكيل المحلي خطاباً وطنياً حماسياً لا يثير أي شبهة من حوله بل الأفضل أن يتبنى هو بالكامل مجموعة الثوابت المشكك فيها، وكأنه هو حامي حمى الوطن والسيادة والاستقلال، بل حتى الدين والقيم المثلى! وأما قواعد الاشتباك فهي تلك التي أثرناها أعلاه والحالة الفضلى بالنسبة للخصم طبعاً تصبح هي الحالة الرابعة أي: أن يلعب الوطني والثوري والمقاوم المطلوب كسره أو هزمه في المعركة بقواعد العدو في ساحته هو!

السؤال الآن: أليست حادثة برج أبي حيدر حالة مثالية لنجاح أسلوب الحرب الناعمة المشروح أعلاه؟

نحن نتجرأ ونقول نعم, لماذا؟ لأن الاقتتال حصل بقواعد الخصم، أي عن طريق إطلاق الرصاص المخصص أصلاً للدفاع عن بيروت بوجه العدو الخارجي ووكلائه والذي لا يجوز أن ينزل إلى الميدان إلا في إطار الدفاع عن ثوابت المقاومة، فإذا به ينزل وبقدرة قادر ليصوب باتجاه أبناء الجبهة الواحدة! بمعنى آخر، فقد نجح العدو في إحداث شرخ داخلي كاد أن يتحول إلى اقتتال داخلي نحرِّمه في العادة، كما تم التصويب باتجاهات مذهبية أي استحضار احتمالات فتنة لطالما حذرنا منها واعتبرناها هي الأخطر، والتي عملنا الكثير من أجل منعها بأي ثمن.

أعرف أن الطرفين المعنيين بشكل مباشر بالحادث وصفاه بالفردي وبأنه اختلاف بين إخوة السلاح، وأن الأمر قد تم تجاوزه وأننا تجاوزنا خطر الانجرار إلى ما هو أخطر، وأن التحقيق لم ينتهِ بعد، وأن نتائج التحقيق قد تكشف براءة الشباب من الجانبين، أو أنهم وقعوا ضحية بروفة أعدها لهم آخرون، وأن احتمال دخول أكثر من طرف استخباراتي على الخط ليس وارداً فقط، بل هو ثابت في المبدأ، لأن ما حصل يخالف كل ثوابت الطرفين اللذين «اقتتلا» مكرهين!

ولكن بيت القصيد هو هاهنا, أي كيف ننجح مستقبلاً في الإفلات من كمائن مشابهة هي من صنع العدو الخارجي بشكل الحرب الناعمة, والتي يفترض حسب البرمجة النهائية لها ألا تبقى ناعمة دائماً، بل إن الحالة المثلى لها في مخطط العدو هي أن تتحول إلى حرب داخلية دامية لا يدخل العدو المباشر على الخط فيها إلا في لحظات قطف الثمار الأخيرة!

لقد حصل هذا أو ما يشبهه في إيران, أي نقل المعركة مع العدو الخارجي إلى الداخل عن طريق الحرب الناعمة على امتداد عام كامل تقريباً كادت تدخل البلاد فيها في ما لا تحمد عقباه من فتنة عمياء أريد منها استنزاف النظام المقاوم عبر فتنة داخلية خيوطها الأساسية في خارج البلاد, مع اختلاف الظروف والحيثيات والتفاصيل البتة, لكن الجوهر ظل واحداً! وكاد أن يحصل في أماكن أخرى، وهو لايزال مرشحاً للحصول في أكثر من بلد عربي أو إسلامي وبأشكال متنوعة ومبتكرة!

فحذار ثم حذار إذن من كل أولئك المتلبسين بخطاب الصديق والمتقمصين لشخصية الملهوف على الوطن وثوابت الأمة في المظهر, بينما هم يحفرون البئر تلو الأخرى ويحضّرون الفخ تلو الآخر، للإيقاع بين أبناء الوطن الواحد والشعب الواحد والمعسكر الواحد تحت عناوين وأسماء ورموز وشعارات وعناوين «صديقة» ولطيفة وناعمة منها على سبيل المثال لا الحصر ما انبرت بعض الواجهات المتورطة في هذه الحرب الناعمة في إشاعتها على مستوى الوطن العربي والإسلامي، ومنها ما ركز عليه بعد حادث بيروت الأخير بشكل خاص.

ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر مقولات مثل مناهضة العنف أيا كان شكله ومصدره مقابل إشاعة ثقافة السلام والتسامح والتساهل مع الجميع، ورفض لغة التخوين، وعدم مصادرة الرأي الآخر أيا كان، ومن ثم المطالبة بنزع السلاح من المدن والقرى والدساكر والمخيمات بذريعة دعم جهود بناء الدولة الحديثة أو السلطة في العراق أو أفغانستان أو لبنان، في حين أننا نعرف تماماً أن وراء الأكمة ما وراءها, وأن الهدف الغائي من وراء مثل هذه الأصوات في وقت يدق فيه العدو طبول الحرب ضدنا ويصول ويجول غازياً لبلداننا, إنما هو نزع إرادة المقاومة وتسليم مدننا وبلداتنا بيد هذا العدو الغازي... وأن نصبح أمة بلا هوية وبلا لون وبلا رائحة وبلا طعم وبلا دم, وحاشانا أن نكون كذلك وبيننا روح مَن قال: «والله ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا!».

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني