تدين ملوث!

نشر في 24-03-2011
آخر تحديث 24-03-2011 | 00:00
 د. ساجد العبدلي ما نراه اليوم هو أن الكثير ممن ارتدوا الهيئة الدينية، قد صار بعضهم يرى نفسه حارساً من حراس الفضيلة، في حين أنه يعجز عن الإتيان بالحالة الأخلاقية السلوكية الراقية التي يجب أن تصاحب هذه الهيئة، والتي تدل على صحة الباطن، حيث إن كثيراً من هؤلاء، على سبيل المثال، يتعاملون مع الآخرين بفظاظة وجلافة لا تصدق.

يبدو لي أن فكرة ومعنى التدين، أي أن يكون الإنسان متديناً، قد تلوثت كثيراً اليوم عند البعض، فالتدين، كما أفهمه، هو حالة روحانية داخلية في المقام الأول، وبعد ذلك حالة أخلاقية سلوكية، وأخيراً ملامح مظهرية. تماماً بهذا الترتيب، فلا فائدة من مظهر ديني، بأي شكل من الأشكال، يرتديه الشخص، كائناً من كان، لكنه غير مصحوب بحالة أخلاقية سلوكية راقية تدل على جريان فلسفة التدين على الجوارح، ولا فائدة كذلك ما لم يوافق صلاح الهيئة الخارجية صلاح الباطن، وهذا معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم, ولكن ينظر إلى أعمالكم وقلوبكم».

لكن ما نراه اليوم هو أن الكثير ممن ارتدوا الهيئة الدينية، قد صار بعضهم يرى نفسه حارساً من حراس الفضيلة، في حين أنه يعجز عن الإتيان بالحالة الأخلاقية السلوكية الراقية التي يجب أن تصاحب هذه الهيئة، والتي تدل على صحة الباطن، حيث إن كثيراً من هؤلاء، على سبيل المثال، يتعاملون مع الآخرين بفظاظة وجلافة لا تصدق... يتعاملون بهذه الطريقة وكأنهم يظنون أن مظهرهم الخارجي قد أعطاهم تفويضاً دينياً بالتعالي على خلق الله الآخرين، والقسوة عليهم، والحط منهم!

والأمر الأهم، أن مفهوم الدعوة الدينية في أذهان الكثير من هؤلاء، قد انقلب اليوم رأساً على عقب أيضاً، ففلسفة الدعوة إلى الله، كما نفهمها، هي وجوب أن يكون المسلم في سعي دائم إلى هداية الناس، وقبل ذلك نفسه، إلى الحق والخير، وهذا هو المفهوم من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام حين قال: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم»، لكن مجمل ما يبدر من هؤلاء، غفر الله لهم، من أقوال وتصرفات، تتجه إلى الهجوم الشرس على الآخرين، مسلمين وغيرهم، وتصنيفهم، ومن ثم استعدائهم، وحرق كل جسر يمكن حملهم عبره إلى طريق الهداية والرشاد.

وهذه الفكرة الاجتماعية، ليست مقصورة على «الدعوة الدينية» إن نحن أردنا قول ذلك، بل تنسحب على كل شيء في هذه الحياة، فلا يمكن أن يتقبل الإنسان أي رأي من إنسان آخر، ما لم يُعرض عليه بالطيب والحسنى، فما بالكم إن هو باشره بالإساءة له والتهجم عليه؟!

يأتي الواحد من هؤلاء، فيلاقي أحدهم قائلاً: يا من بك كذا وكذا، يا من أنت كذا وكذا، يا من عليك كذا وكذا، ألا تتقي الله؟ ثم يقول لقد دعوته ولم يستجب!

ويخرج الواحد منهم فيقضي يومه بتصنيف هذا وتبديع ذاك والحكم على هذا والتهجم على ذاك، لينتهي في نهاية يومه بحصيلة معتبرة ممن احتسبهم من الخارجين عن الجادة، وممن استحقوا عقاب الله، ولم يظفر بهداية وإقناع شخص واحد، في حين أنه مكلف شرعاً بهداية الناس إلى النور بالحسنى، بقوله وبأخلاقياته وبتصرفاته وسلوكياته، لا الحكم عليهم بالضلالة!

يا سادة، اتقوا الله في دينكم الذي تزعمون تمسككم به، واتقوا الله في هذه الرسالة السماوية السامية الرفيعة التي تسيؤون إليها بأقوالكم وتصرفاتكم، وراجعوا أنفسكم فإنما بعثتم مبشرين لا منفرين، فكفوا أذاكم عن الناس.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top