سبق أن ذكرنا أن ما تم إقراره في القانون رقم (9 /2010) هو مجرد إطار عام لخطة "رباعية" وليس خطة تنموية خمسية متكاملة، كما يحلو للبعض أن يسميه، وكل الحديث الإعلامي والتسويقي عن "إنجازات" "خطة" التنمية ليس إلا توقيع عقود مناقصات لتنفيذ أعمال إنشائية ضخمة بعضها كان من المفترض إنجازه منذ مدة سابقة لإقرار القانون آنف الذكر، وبعضها من غير المعروف على وجه الدقة جدواه الاقتصادية لاسيما بعد الأزمة المالية العالمية؟ أو ما هو مردوده الاجتماعي؟ وما هي آثاره البيئية؟ لذلك فمن غير المستغرب أن يكون هناك ارتباك واصطفافات مصلحية جديدة الهدف منها محاولة الحصول على أكبر قدر من "كيكة الخطة" وقد عبّر عنها بشكل جلي وواضح ذلك التعارض الحكومي- الحكومي من جهة والاختلاف الحكومي- النيابي من الجهة الأخرى وما رافقهما من حملات إعلامية.
فـ"الخطة"، التي تم إقرارها بما يشبه الإجماع، لم تتطرق لا من بعيد ولا من قريب إلى عملية التمويل سواء من ناحية الجهات الممولة أو حجم التمويل المطلوب أو الكيفية التي ستتم بها تنفيذ عملية تمويل المشاريع الإنشائية الضخمة التي تنوي الحكومة تنفيذها، وهو أمر من غير الممكن حدوثه لو كان هنالك بالفعل خطة تنموية لأنه من أبجديات الخطط التنموية أنها تشتمل على اختيار أفضل البدائل المتاحة لعملية تمويل ما ورد بها من مشاريع وبرامج بعد دراسة المدة الزمنية التي يستغرقها كل بديل ودرجة المخاطر التي يحتويها والمتطلبات التشريعية اللازمة لتنفيذه، وإلا لما سُميت بالأساس خطة تتنموية.أما الآن ومن دون الدخول في التفاصيل الدقيقة الكثيرة والمتخصصة المتعلقة بعملية التمويل، فإنه من المفترض ألا تنشأ أي جهات حكومية بيروقراطية جديدة، إذ من الممكن أن يقوم القطاع المصرفي والمالي الحالي الخاضع لرقابة البنك المركزي بما في ذلك بنك وربة الحكومي، بتمويل مشروعات التنمية ضمن آلية أو آليات معينة شفافة وتنافسية ونزيهة وضمن ضوابط محددة تضمن عدم حصول أي مشروع على التمويل ما لم يكن مطابقاً للشروط الائتمانية وقادراً على السداد طوال فترة الاقتراض التي قد تستغرق مدة طويلة حتى لو تطلب الأمر تعديل بعض القوانين والأنظمة المالية المعمول بها حالياً.من ناحية أخرى، فإنه على الرغم من ضرورة إيجاد آليات مرنة وسهلة لعملية تمويل الشركات التي تتميز بكفاءة عالية في الأداء وملاءة مالية مناسبة والتي تخلق فرصاً وظيفية جديدة للعمالة الوطنية وتساهم في عملية تصحيح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني، فإنه من الأهمية بمكان المحافظة على المال العام وعدم استنزافه بأي صورة من الصور.وفي هذا السياق، فإن التزام الحكومة بالتدخل بشكل دائم في عملية ضمان القروض الخاصة التي يمنحها القطاع المصرفي والمالي للشركات الخاصة أو التزامها، أي الحكومة، بوضع ودائع مالية في البنوك والشركات المالية بفوائد منخفضة كي تقوم هذه الجهات باستخدامها في عملية الإقراض مقابل فوائد مرتفعة، لهو شكل صارخ من أشكال استنزاف المال العام من أجل ضمان تحقيق مصالح خاصة.
مقالات
«الخطة» وغياب آليات التمويل
25-08-2010