رقابة ومنع في معرض الرياض... وبعض الدور متأزّم

نشر في 06-03-2011 | 00:00
آخر تحديث 06-03-2011 | 00:00
كما اعتدنا في الأول من شهر مارس (آذار) من كل عام، افتتحت الرياض معرضها للكتاب في دورته الجديدة لعام 2011، وسط مشاركة عربية واسعة من دور النشر التي تجاوز عددها السبعمئة دار من 30 دولة، وتحضر الهند كضيف شرف للمعرض، علماً أن الأخير يُعتبر المعرض الأكثر زيارة ونجاحاً بعد معرض القاهرة الدولي بحسب تصنيفات «مؤسسة الفكر العربي» الأخيرة الصادرة في عام 2010.

يمكن لنا القول إن المعارض في السعودية «قبلة» للناشرين العرب، إذ يتهافتون الى المشاركة فيها نظراً الى أنها تشكّل الملاذ الأخير لبيع الكتب على نحو يريح جيوبهم. فعلى رغم أن هؤلاء يتحدثون في منابرهم ومجالسهم عن ثقافة «البترو دولار»، نجدهم في الواقع حين يشمون رائحة الدولار في السعودية تنفرج أساريرهم، وما إن يشاركوا في أحد المعارض السعودية حتى يرفعون أسعار الكتب، وينتهزون الفرصة لجمع أكبر قدر من المال، وما إن يطلب منهم كاتب سعودي من الدرجة العاشرة طباعة مجموعة قصصية حتى يرحّبون به ترحيبهم بالملوك، لمعرفتهم بأنهم سيجنون الأرباح من ثقافته سواء أكانت رديئة أم خلاقة، بمعنى أنهم يعيشون نوعاً من الفصامية وازدواجية في الشخصية.

ليس هدفنا هنا إلقاء الضوء على المتثاقفين الذين يتحدثون عن «ثقافة البترو دولار» بقدر ما نود الحديث عن شبح الرقابة في معرض الرياض، فالمتابع لهذا الأخير يلاحظ ألا نشاطات ثقافية تجذب جمهور القراء بقدر «الغزوات الرقابية» التي تجعل المشاركين في المعرض في دائرة القلق، وقد تبيّن أن عقلية القرون الوسطى لا تزال حاكمة، فقد ذكرت الوكالات أن المعرض شهد في اليوم الأول من انطلاقته مشاجرات بين عدد من المحتسبين، الذين لا يتبعون لـ{هيئة الأمر بالمعروف» بل هم متطوعون ولا يحملون أي صفة رسمية، وبين رجال الأمن احتجاجاً على بعض الإصدارات، وقد تجمهر عدد من المحتسبين حول وزير الثقافة السعودي عبد العزيز خوجة، بينما منعتهم قوات الأمن والمهمات الخاصة من دخول استوديو التلفزيون.

كذلك، هدّد بعض المحتسبين عضو اللجنة الإعلامية في السعودية عبدالله وافيه بـ{كسر يديه»، ذلك بعد قيام ثلاثة متشددين بمناصحة الإعلامي تركي الدخيل بقولهم: «اتق الله في ما تعرضه في برنامجك «إضاءات» وفي من تستضيفهم من أصحاب الفكر التغريبي»، فأجابهم عضو اللجنة بقوله: «جزاكم الله خيراً فالدخيل على عجالة من أمره وأنتم قمتم بمناصحته فاسمحوا له بالانصراف»، الأمر الذي أثار حفيظتهم وتهديدهم له بـ{كسر يده». وأدى ارتفاع أصوات المحتسبين إلى تجمّع زوار المعرض وزائراته، ما دعا أفراداً آخرين من المتشددين إلى مناصحة النساء ومطالبتهنّ بالتستّر.

منع منشورات «الجمل»

في بيروت، أصدرت إدارة «منشورات الجمل» بياناً رأت فيه أن إدارة «معرض الرياض الدولي للكتاب» تواصل تصرفاتها غير المنطقيّة بحق «منشورات الجمل»، فبعدما منعت خلال الدورة الماضية إصدارات جديدة وقديمة كثيرة، من ضمنها غالبية روايات الكاتب عبده خال، عادت في اليوم الأول من المعرض الراهن إلى منع جميع مؤلفات خال، وأصرّت على إعادتها إلى المخازن، وحينما أُعلن فوزه بجائزة «البوكر» للرواية العربية وانفضحت عملية المنع، عادت إلى المناورة بفسحها مساحة لكتب الروائي وطالبت بعرضها في مقدّمة الإصدارات المعروضة، بعدما كانت تصرّ على عدم عرض أيّ من كتبه في الواجهة.

تابعت إدارة «منشورات الجمل» بأن «إدارة المعرض اجتهدت في نشر الإشاعات واختلاق المشاكل في الصباح والمساء، وحينما كنا نواجه هذه الإدارة بمفاهيم تقوم عليها السياسة المعلنة للمملكة مثل: مملكة الإنسانية أو حوار الأديان، فإنها تبرطم، وكأنها تريدنا أن نفهم، بأن هذه الشعارات هي للتصدير وليس للاستهلاك المحلي، وبعدما فشلت في مراقبة محتويات الكتب، لجأت إلى مراقبة أغلفة الكتب بمختلف الحجج الهزليّة، بل هي تراقب جمهور الزوار وكلما كان إقبالهم على كتاب بعينه تلجأ إلى منعه تحت حجج مختلقة بالطبع، وكان كتاب المؤلف السعودي هو المستهدف بالدرجة الأولى، ويبدو أن إدارة المعرض لم تفق بعد من صدمة جائزة البوكر لعبده خال».

أضاف بيان «منشورات الجمل» بأن إدارة المعرض تدّعي بأن السبب وراء عدم الموافقة على مشاركة منشورات الجمل هذا العام، هو ضيق المساحة، وهذه حجة مضحكة وغير منطقيّة، فالدار تشارك سنوياً بمساحة 24 متراً مربعاً، وجمهورها كبير ومن مختلف مشارب المجتمع، ولقطات اليوتيوب تشهد على إقبال الجمهور على كتب الدار، وهو إقبال نجده في جميع معارض الكتب العربية، لكنه في المملكة يمثّل الذروة، وكل إدارة معرض لديها ذرة من المهنية تحرصُ على مشاركة دار كهذه في المعرض».

وعُرفت الدار بأنها تطبع الكتب الممنوعة في بعض البلدان، وهذا يزعج الرقابة عموماً.

في مصر، ذكرت دار «ميريت» أنها مُنعت من المشاركة في المعرض، وأكد مديرها محمد هاشم أنه كان قد قرر المشاركة في المعرض هذا العام للمرة الأولى، وأرسل إلى إدارته عبر موقعها الإلكتروني لتأكيد المشاركة فأبدت موافقتها المبدئية، ثم أرسل القائمة التي ينوي المشاركة بها، فتجاهلته إدارة المعرض تماماً، ولم ترد عليه. وأضاف هاشم أن القائمة ضمّت 300 عنوان من مطبوعات الدار في الثلاث سنوات الأخيرة، وأنه يعتقد أن الاعتراض على عدد من العناوين كان السبب الحقيقي وراء تجاهل إدارة المعرض لدار نشر بحجم «ميريت»، مؤكداً أنه يشعر بالانزعاج الشديد لمثل ذلك التجاهل، لا سيما أن الدار حققت في السنوات الأخيرة شهرة واسعة، نتيجة لإصداراتها المميزة التي حازت جوائز عدة.

في سياق متّصل، قال ناشرون مصريون مشاركون في المعرض إنهم يعوّلون كثيراً على معرض الرياض في تعويض الخسارة التي لحقت بهم بسبب تأجيل معرض القاهرة وتغيّبهم عن معرض الدار البيضاء، بسبب الثورة المصرية.

back to top