حول تعاون عابر للزمن لجلال توفيق 1-2
لقد قرأت رسالتك «تعاون عابر للزمن» المنشورة في الدليل الفني الضخم الذي صدر عن بينالي الشارقة العاشر والمسمى (أي الدليل) حبكة للبينالي 16 مارس-16 مايو 2011، ورغم أن الرسالة قديمة نسبياً غير أنني دُهشت أمام الأفكار المطروحة المتعلقة بهذا الثالوث السينما، الزمن، الأدب، ومن وجهة نظر الثقافة البصرية على الأقل فإنني أتشارك مع بعض مقارباتك الألمعية، وتحديداً ما يتعلق بجيل دولوز في كتابه المكوّن من جزأين «سينما الصورة- الحركة، سينما الصورة- الزمن» وهو كتاب ذو أهمية استثنائية في طرح المقاربة المفاهيمية العالية حول الصورة، الأدب، الزمن، الوجود، وهي مفاهيم جوهرياً تمد القوة وتوسع الرؤية والرؤيا وتمس علاقة الإنسان بالعالم. كان دولوز ذا نظرة اختراقية بحيث إن ستاراً شفافاً بين الصورة والزمن قد يلغى أو يثبت في غمضة عين، أنت تعرف أن رولان بارت حاول في كتابه «الغرفة المضيئة تأملات في الفوتوغرافيا» أن يعيد صياغة مفهوم الصورة الفوتوغرافية وعلاقة هذه الصورة بالزمن والموت، لقد طرح بارت أسئلة عديدة وعامة وكانت تصب أحياناً في مطارح ذاتية إلى أبعد الحدود، منها مثلاً عندما شاهد للمرة الأولى صورة ضوئية لجيروم الأخ الأصغر لنابليون والتي التقطت له عام 1852 فعبّر عن دهشته قائلاً: «إني أرى العيون التي رأت الإمبراطور». من هذه النقطة تحديداً أود أن أدخل إلى مفهوم رسالتك «تعاون عابر للزمن» ذلك لأن هذا التعاون الفلسفي الذي تدعو إليه وتسميه لا يتخلق إن جاز التعبير عبر أرواح قطيعية بل عبر مسار القلق الفردي، مسار يخترق تجربة الكائن الفردانية حتى وهو يعيش في قرية نائية في هذا الكون بحيث لا يتمكن من سماع الصرخة في لوحة ادوارد مونك أو نعيق غربان فان كوخ فحسب، بل يرى الصرخة والنعيق بوضوح شديد، حسناً فعلت وأنت تستشهد بنيتشه، فرانسيس بيكون، وكافكا لكي يكتمل مشهد هذا القلق مثل قمر ساطع فوق أرض جرداء، لذلك لم يكن مهماً أن يدخل جيل دولوز في فردوس أكاديما «تاريخ أوكسفورد للسينما العالمية» الذي تشير إليه.
أن يكون جيل دولوز أحد أهم مؤسسي النظرية السينمائية وحده كافٍ لتظهر صيرورته ساطعة بقدر شديد العمق، أما الطرف الآخر، أي الطرف الأكاديمي فإن الإلغاء مصير كل فكرة أصلية. أنت تعرف أن الإنسان يخاف من صورته، أنه لا يرغب أن يراها، لأنها تشكل بالنسبة إليه نوعاً من الوعي الشقي، انظر إلى المرآة لن تجد سوى لعبة نكران، من هنا لا يبدو الزمن سوى لعبة تحايل حاذقٍ أمام سطوة الموت. في السويد التي أقمتُ فيها أكثر من عشر سنوات، تناقشتُ كثيراً مع بعض السويديين بمختلف مستوياتهم حول بيرغمان وإذا بي أنا القادم من أصقاع نائية أصاب بخيبة أمل... لماذا؟ لأنهم ببساطة كانوا ينظرون إلى بيرغمان كأنه من خارج الزمن، لأن الخوف من رؤية أنفسهم في المرآة كان مقلقاً بحيث كانوا على استعداد كامل لإلغائه، ذلك لأن هذا السينمائي لعب لعبة كبرى مع الزمن في أفلامه وتجلت هذه اللعبة ربما في فيلم «الفراولة البرية». لقد توصل بيرغمان إلى إلغاء الزمن الخطي كلياً على صعيد المفهوم السينمائي، ولم يكن الختم السابع مثلاً بعيداً عن شطرنج لعبة الموت- الزمن، هذه اللعبة التي حيزها الشقاء الإنساني هي صورة مثلها لكنها رمزية أيضاً وكافية لقتل الحياة.