واهم من يظن أن الشحن الطائفي سيتوقف تماما، أو أن خطاب الكره والحقد المذهبي الذي ابتلينا به في العقود الأخيرة سينتهي فورا بمجرد أن يقوم مجلس الوزراء بسحب جنسية ياسر الحبيب، الذي أثارت محاضراته الفتنة الطائفية الأخيرة التي كادت أن تدمر مجتمعنا مع تحفظنا من حيث المبدأ على عملية سحب الجنسية لأسباب سياسية وليست قانونية، إذ إن ذلك سيشكل سابقة خطيرة قد تستخدم في أي وقت ضد أي طرف سياسي على طريقة "الثور الأبيض"، كما أنه واهم أيضا من يظن أن تشديد القبضة البوليسية وملاحقة منظمي الندوات والمحاضرات والتضييق على الحريات العامة ومن ضمنها حرية الرأي والتعبير، مع أن ذلك يعتبر مخالفا للدستور، سيقضي على الطائفية ويجعل التسامح بين المذاهب أمراً واقعاً، إذ إن للطائفية أسباباً كثيرة عميقة وكامنة في المجتمع تطرقنا لبعضها في مقالنا السابق، ومن السذاجة المتناهية المراهنة على أن المعالجة الحكومية المرتبكة والمؤقتة لبعض مظاهر الأزمة الطائفية التي افتعلت أخيرا ستقضي على التناحر المذهبي والاستقطاب الطائفي.
إن معالجة القضية الطائفية بشكل جذري تتطلب في الأساس معالجة أسبابها الرئيسة بعد معرفتها وتشخيصها بشكل دقيق، إن المطلوب هو الإجابة عن أسئلة من شاكلة: لماذا وصل السكين إلى العظم؟ ومن يتحمل المسؤولية عن ذلك؟ ثم لماذا أصبح التطرف والغلو الديني سمتين بارزتين من سمات مجتمعنا الصغير في السنوات الأخيرة رغم أن المجتمع الكويتي مجتمع متسامح ومعتدل دينيا، إذ لم يعرف التطرف والغلو الديني طوال تاريخه المعاصر؟ وكيف اختلط العامل السياسي بالعامل الديني؟ ومن سمح بذلك وعمل على تشجيعه؟ ولماذا أصبح مجتمعنا هشا لهذه الدرجة من الناحيتين السياسية والاجتماعية؟ ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟ ثم وبعد الإجابة عن هذه الأسئلة فإن المطلوب هو الإسراع في اتخاذ قرارات حكومية جريئة تعيد الاعتبار إلى مشروع الدولة الدستورية الحديثة التي يتساوى فيها المواطنون جميعا تحت مظلة القانون، إذ إن المواطنة الدستورية هي أساس الانتماء الوطني، وهو المشروع الذي وئد مع الأسف الشديد منذ النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي لمصلحة مشروع الغلو والتطرف الديني الذي نقطف "ثماره" غير المباركة هذه الأيام. وأول القرارات الحكومية المطلوب اتخاذها، إن كان هناك فعلا جدية في القضاء على الطائفية والقبلية والفئوية، هو الإعلان عن انطلاق مشروع الإصلاح السياسي الشامل الذي يجب يبدأ بنقد التجربة السياسية الماضية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من تردٍّ على المستويات كافة، والتأسيس لمرحلة سياسية نوعية جديدة ترتكز على التطبيق الفعلي للدستور الذي أهمل تطبيقه، رغم أنه يمثل الحد الأدنى لقيام الدولة الدستورية الحديثة. ما لم يتم ذلك فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة وعندئذ فإننا "لا طبنا ولا غدا الشر"، إذ سرعان ما سنعود للمربع الأول وتعود "حليمة لعادتها القديمة" لأنها متأكدة من أنها ستجد المسرح مجهزا بالكامل والجمهور متلهفا جدا لرؤية العرض الفئوي أو الطائفي الاستفزازي الجديد والمشاركة فيه.
مقالات
لماذا وصل السكين إلى العظم؟
22-09-2010