حزب إلّا الحكومة
رسّينا يا سلطة على بر، فإما أن تُبادِر -السلطة- بحل المجلس التشريعي حلّاً غيرَ دستوري وتقول لنا بصراحة إنها ضاقت ذرعاً بالأقلية المعارضة لها، ولم تعُد تتحمل هؤلاء النواب ولا تتقبّل زوايا الرأي الآخر من كتّاب الرأي، أو تختار أن تبقينا على حالنا المأزوم وعلى هذا "الشكل" المضحك للديمقراطية.الأمر غير المقبول الآن ما يحدث من تزايد مظاهر الاستبداد للسلطة يوماً بعد يوم، فرغم أن للحكومة أغلبيةً نيابيةً تسير بهدي السلطة وتقبض من خيراتها، فإن الأقلية المعارضة لم يعُد لها مكان ولو كان ضيّقاً في الصدر الحكومي، ولا تريد السلطة لهذه الأقلية المجلسية أن تمارس أبسط حقوقها الدستورية.
ماذا يحدث في البلد؟ فصور البدلات العسكرية الزرقاء للقوات الخاصة في العربات المصفّحة تزيِّن بخطوط الرعب صفحات الجرائد، وتصريحات المسؤولين تهدِّد وتتوعَّد، واقتراحات بقوانين من الحكومة تقول لـ"دراكو": ارقد بسلام فنحن مكانك اليوم، و"دراكو" هو ذلك الشخص (الترزي) الذي كلّفه نبلاء أثينا وضعَ مدوّنة القوانين التي تعاقب بأقسى العقوبات لأتفه الجرائم، إذ رأى هؤلاء النبلاء في قسوة القوانين وسيلةً لزجر الرعاع إذا فكروا يوماً في قلب نظام حكم الأقلية، فلم يجد "دراكو" من وسيلة لتحقيق تلك الرغبة غير خلق ما يُسمَّى بالإرهاب التشريعي، وأضحى فيما بعد مثالاً ونموذجاً يحتذي بهما أعداء الحرية وأعوان الاستبداد على مر العصور، (انظر افتتاحية القبس في يناير الماضي) غرامات خيالية لقوانين النشر والمرئي والمسموع لتصل إلى ثلاثمئة ألف دينار! وكأن قوانين النشر والجزاء التي تخنق حرية التعبير ينقصها المزيد من القسوة والظلم؟ ما هذا وماذا يجري؟ أتحدّى مستشاري الحكومة أن يقدموا لنا تعريفاً واحداً لمفهوم "الوحدة الوطنية" أو"الفتنة"، حتى يضعوا لهما مثل هذه الاقتراحات التشريعية المزرية!ليخبرنا "ترزية" التشريع عن مفهوم "الإضرار بالعلاقات بين الكويت وغيرها من الدول"؟ هل يعني ذلك أنه من واجب أصحاب الرأي مثلاً، التهليل والتصفيق لنظام عمر البشير في السودان وهو المطلوب للعدالة من المحكمة الجنائية الدولية، حتى يهنأ خاطر الحكومة وتصبح علاقات الدولة الكويتية مع دول القهر والاستبداد سمناً على عسل...! ماذا تريد السلطة في النهاية؟ ولِمَ لا تخلق مع كتّابها حزباً اسمه "إلَّا الحكومة"؟ فهي المعصومة عن الخطأ.