هل تقود المرأة الحمار؟!
كل شيء يمس المرأة يصبح قضية. وكل إتاحةٍ قانونية تُمنَح للمرأة تكون فتنة، تصير حينها المرأة مستودعاً للشرور ومظنة للآثام، حين أرادت المرأة السعودية أن تقود السيارة سنة 1990 اتهمها بعض المتشددين بالتبرج والسفور، وحين قادت منال الشريف بعد أكثر من عشرين سنة أُعيدت الاسطوانة المشروخة نفسها ضد المرأة وخياراتها، بل عادت النبرة ذاتها التي تقول: «ليس هذا وقته»، ولا أدري ما هو الوقت الذي يمكن أن يكون مناسباً لأن تقود المرأة السيارة مثلها مثل الرجل، وأنا أشاهد نساء المسلمين في كل مكان سواء في الخليج أو خارجه يقدن سياراتهن بأمنٍ وأمان، يحفظهن القانون والأمن، وأنظمة شديدة ضد التحرش الجنسي الذي يمكن أن يحدث. من خصائص تجربة المرأة في قيادة السيارة أخيراً أن اللواتي حاربن قيادة المرأة للسيارة، اخترن البقاء مع السائق، أو الجلوس في البيت، ويعتبرن استخدام السيارة معضلة أخلاقية كبيرة، كما قرأنا في مقالات بعضهن، واللواتي ظننّ أن القول بجواز قيادة المرأة للسيارة يعني مخالفة «جوهر الإسلام»، مع أن الشيخ الألباني، رحمه الله، وجمعاً غفيراً من علماء الإسلام اعتبروا هذه المسألة لا علاقة للشريعة بها، بل إن الشيخ الألباني سخر في مقطع صوتي موجود على «اليوتيوب» من الذين يسألون عن هذه المسألة وكأنها قضية شرعية، فلم يجد بداً من الإجابة بسؤال حين قال: «هل يجوز للمرأة أن تقود الحمار؟» فضحك طلابه من سؤال السائل الذي اعتبر قيادة السيارة معضلة تستحق أن يقتطع بها وقت الشيخ للحديث عنها.
كما أن الأصل في الإسلام أن ما يصحّ للرجل يصحّ للمرأة، وأذكّر بنص رائع للشيخ السوداني الراحل المظلوم محمود محمد طه الذي أعدمته سلطات النميري في 18 يناير 1985 حين قال في كتابه «الرسالة الثانية في الإسلام»: «الأصل في الإسلام المساواة التامة بين الرجال والنساء، الأصل في الإسلام أن المرأة كفاءة للرجل في الزواج»، ثم يضيف عن الإسلام والعفة ويقول: «مراد الإسلام العفة، هو يريدها عفة تقوم في صدور النساء والرجال، لا عفة مضروبة بالباب المقفول والثوب المسدول، الأصل في الإسلام المجتمع المختلط بين الرجال والنساء». تلك العبارات من شيخ فاضل تؤدي المعنى الذي نريده، وهو أن المرأة جزء من نسيج المجتمع وقوانينه، مشمولة بالمباحات التي يتمتع بها الرجل، فهي ليست حكراً عليه، بل تشاركه فيها، وتمارس حياتها بحرية وانطلاق من دون أن تكون محبوسةً داخل تقاليد وموروثات اجتماعية تحدّ من حركاتها وتجعلها حبيسة جدرانٍ أربعة. ولم تكن المرأة أبداً حبيسة بيتها في صدر الإسلام، بل حتى في العصر النبوي، ولنقرأ كتاب عبدالحليم أبوشقة «تحرير المرأة في عصر الرسالة» لنطلع على المساواة التي كانت مطبقة في زمن النبوة وهو خير القرون. الدكتور رشيد الخيون، في كتابه «بعد إذن الفقيه» يطلعنا على تفاصيل مهمة حول المرأة والتعامل معها وحركتها في التاريخ. يقارن الخيون بين حادثتين ثنتين، الأولى: حادثة المرأة التي روى قصتها التنوخي تلك التي لم تخرج من بيتها مدة أربعين عاماً إلا في حالة سفرٍ واحدة من الأنبار إلى بغداد، حينها رأت جملاً يدير دولاباً فقالت: ما هذا؟ فقيل لها: دولاب الجمل! فحلفت أنها ما رأت جملاً قط! الحادثة الثانية: قصة عائشة بنت طلحة بن عبيدالله في القرن الأول الهجري وهي ابنة الصحابي المبشر بالجنة، وجدّها الخليفة أبوبكر الصديق لأمها أم كلثوم، وخالتها أم المؤمنين عائشة، يقول عنها الخيون: «من ثقتها بنفسها قيل: كانت لا تستر وجهها من أحد، ولما عاتبها مصعب (ابن الزبير زوجها) قالت: إن الله تبارك وتعالى وسمني بميسم من جمال أحببت أن يراه الناس ويعرفون فضلي عليهم فما كنت أستره، ووالله ما فيّ وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد»! نحن بين نموذجين، نموذج خنوع المرأة واستسلامها، ونموذج أخذ الحق من خلال الأدوات النظامية والقانونية... ليت النساء لديهن الشجاعة على الاقتداء بنساء العالم الأخريات اللواتي يأخذن حقهن ويمارسن حياتهن بكل عفّة... ليت!