لم يسافر الأسد إلى طهران إلا لأمر مهم وملح جدا ينبغي الاتفاق عليه بين رأس الهرم القيادي في الثورة الإسلامية الإيرانية وصمام الأمان العروبي الضامن لنجاح مشروع نزع فتائل الحروب المذهبية المتنقلة، التي يعمل العدو الصهيوني منذ مدة على إشاعتها، انطلاقا من العراق ولبنان وفلسطين بديلا عن المنازلة الكبرى التي يعجز حتى اللحظة عن اتخاذ قرار نهائي بصددها.

Ad

لا أحد مطلقا ممن يعرف خفايا ملفات الحليفين الاستراتيجيين يشك ولو للحظة في أنهما الآن باتا في منعطف خطير يتطلب منهما اتخاذ قرارات حاسمة، بعد أن غدت كل من فلسطين ولبنان والعراق في عين عاصفة الحرب الاستخباراتية التي تلي الحرب الفتنوية القائمة على قدم وساق في الساحات الثلاث الأساسية الآنفة الذكر.

كما يتم تفكيك أي عبوة ناسفة تستهدف مواطنين أبرياء، أو نزع الفتيل الذي يهدد باشتعال قرية آمنة هنا أو هناك، أو نزع الصاعق عن قنبلة يحملها معتوه يريد إحراق كل ما حوله بعد أن شعر باقتراب حبل المشنقة من رقبته، ينبغي العمل بجد لتفكيك ما يسمى بدولة إسرائيل، هذا ما ينصح به خبراء القيادتين الإيرانية والسورية في مواجهة مخطط الفتن المتنقلة.

بل هذا هو «أمر اليوم» الوحيد المتبقي أمام عقلاء العالمين العربي والإسلامي- كما يقولون- إذا ما استمرت كل من واشنطن وتل أبيب في إصرارهما على إشاعة ثقافة الفتن المتنقلة هذه في مدننا وقرانا وشوارعنا وأزقتنا عبر أجندات باتت مكشوفة، هي في الواقع جزء من حرب شاملة تم الإعداد لها في الغرف المغلقة في أكثر من معهد دراسات أو مؤسسة بحثية تحت ما بات يعرف بالحرب الناعمة، تمهيدا «للمنازلة الكبرى» التي يتم تأجيلها من قبل العدو الصهيوني بسبب استمراره في عجزه عن اتخاذ القرار الذي يضمن له النصر الناجز.

في قضية فلسطين وهي القضية الأولى والتي عنها تفرعت ولاتزال تنتشر كالفطر كل القضايا الساخنة في بلادنا يريدون تصفية القضية وإلى الأبد تحت يافطة «المصالحة التاريخية»، من خلال فرض «التعايش» بين «دولتين» إحداهما «دولة يهودية صافية» وأخرى عبارة عن مجموعة محميات تشبه محميات الهنود الحمر، ما يعني إسدال الستار نهائيا على قضية أرض فلسطين التاريخية ومحوها من الخارطة وإلى الأبد، ومن ثم يتهموننا نحن بالنية في إزالة دويلة مسخ عمرها لا يتجاوز متوسط عمر الواحد من سكان البلاد الأصليين.

وفي لبنان يعملون ليل نهار على نزع كل أشكال القوة والمناعة والحصانة التي زرعتها قوى المقاومة في مجتمع لطالما تغنت القوى الدولية بأنه مهد التعايش بين الحضارات والثقافات والأديان والطوائف والمذاهب، في حين تعمل ماكينة حربهم الناعمة الجديدة اليوم على قدم وساق لإشعال كل شبر فيه بحروب متنقلة تقوم على الزور والتزوير والخداع والتضليل تحت عنوان مريب ومشبوه ومفخخ اسمه المحكمة الدولية، قام أصلا وتشكل بالأساس على جريمة دولية أشرف على تنفيذها بإحكام الصهاينة صناع لعبة الأمم. وأما في العراق الجريح والمستباح والمنهوب منذ نحو سبع سنوات فإنهم مصممون على التلاعب بكل ما يمكن التلاعب فيه من أجل إبقاء سلطتهم ونفوذهم الآفل دوليا، في حال قرروا بالفعل والممارسة سحب فائض القوة المسلحة الذي بات ينهك خزينتهم ويشتت جهودهم التي ينبغي بنظرهم أن تركز من الآن فصاعدا من أجل الوصول إلى «الجائزة الكبرى»، أي إيران كما سبق أن أشار إليها مبكرا كبار المخططين للحروب الإمبراطورية الاستباقية من منظري المحافظين الجدد.

اليوم تقترب ساعة الحقيقة من الجميع وليس من إيران وسورية المستهدفتين أصلا من خلال غزوتي أفغانستان والعراق بحجة غزوة نيويورك المفخخة والملغومة...

اليوم تقترب خديعة الملف النووي الإيراني من الانكشاف والافتضاح... اليوم تقترب فضيحة الاغتيال المشبوه والملغم لرئيس الوزراء السابق رفيق الحريري... اليوم تقترب خديعة اتهام العراق بأسلحة الدمار الشامل من الافتضاح أكثر فأكثر... اليوم تقترب خديعة واقعة 11 سبتمبر الغامضة والمفخخة من الانكشاف والافتضاح أكثر فأكثر... اليوم تقترب ساعة انكشاف زيف السلام والصلح والتسويات الإسرائيلية الفلسطينية أمام العالم أجمع بأنها لم ولن تكون سوى ملهاة لشراء المهل وتقطيع الوقت من أجل فرض واقع الدويلة الواحدة المسخ التي اسمها «إسرائيل»، والتي يمكن أن تضم بين ظهرانيها بعض محميات «هنود حمر» فلسطينيين، يزعم أوباما أنه قد ينجح في التمنن عليهم بدولة قد «تستحق الحياة»، سرعان ما يفند دعواه فيها الغاصب المهاجر من روسيا والمنتحل لصفة «وزير خارجية» لعدو صهيوني لا يمكن لأمة يعيش فيها ولو طفل فلسطيني واحد أن تقبل به وسط بحرها العربي الإسلامي الأصيل.

وسط هذه الاستحقاقات وفي عين هكذا عواصف يزداد «أمر اليوم» إلحاحا في ضرورة إبعاد خطر الكيان الصهيوني الغاصب من كل ملفات أمتنا العربية الإسلامية. وعلى هامش هذا الأمر الأساس فقط يمكن البحث عن حلول لأي مشكلة أخرى من مشاكل أمتنا، وهو ما يحرص ويركز على مناقشته بتكثيف وتركيز ملح ودقة متناهية قيادات مربع الصمود الفلسطيني اللبناني السوري الإيراني، وزيارة الأسد إلى طهران إنما تأتي في هذا السياق.

إذ لا إيران مستقلة استقلالا ناجزا يمكن أن ترى النور، ولو امتلكت كنوز الدنيا وانفتحت على دول العالم مجتمعة، وتعهدت بكل ما يسمونه بالتزامات دولية، أو تخلت عن تعاطيها مع مشكلات توصف زورا وبهتانا بأنها ليست من أمنها القومي، أو أنها لا يحق لها التدخل فيها أي قضية العرب الأولى.

هذا الأمر هو ما يناقشه المقاومون في كل من فلسطين ولبنان وسورية وإيران، وهو ما فهمه الغرب واستوعبه جيدا هو ووكيلته المحلية، أي الكيان الصهيوني الإسرائيلي، فهل سيفهمه سائر العرب كما يجب؟ هذا هو السؤال المركزي الذي ينبغي أن تركز الذهن حوله.

وكل ما عدا ذلك شرود عن الاتجاه الصحيح أو سباحة خارج التيار أو ابتعاد في الزاوية عن اتجاه البوصلة الحقيقي أو سراب يحسبه الظمآن ماء.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني