يمكن النظر بكثير من الموضوعية إلى مسرحية «عمر بن الخطاب في الجاهلية والإسلام» التي عُرضت في ساحة المدرسة «المباركية» بتاريخ 7/6/1939، بوصفها لحظة الميلاد الحقيقية للمسرح في الكويت. ولقد كان ولم يزل المسرح في الكويت، مؤشرا دالا على الحراك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والفكري والثقافي، الدائر على ساحة المجتمع الكويت. وتجدر الإشارة هنا إلى الجهود الريادية الحثيثة التي بذلها أعضاء البعثة التعليمية الفلسطينية الأولى، التي وصلت الى الكويت عام 1936، وعلى الأخص جهود الأستاذ محمد محمود نجم (1910-2016)، وكذلك الدور المحوري الكبير الذي نهض به عاشق المسرح والفن، الأستاذ حمد الرجيب (1924-1998)، ومشوار الأستاذ محمد النشمي (1927-1984)، وتضافر هذه الجهود وتلاقحها بهمة وجهد الأستاذ زكي طليمات (1894-1982)، التي أدت إلى ولادة الفرق المسرحية الأهلية، وتالياً «مركز الدراسات المسرحية» بتاريخ 7/11/1964، وأخيراً صدور المرسوم الأميري الخاص بإنشاء «المعهد العالي للفنون المسرحية» بتاريخ 22/2/1976.

Ad

خلافاً للعلاقة بين مختلف أجناس الإبداع الإنساني والمتلقي، فإن علاقة حميمية ومتفاعلة تطبع التواصل والانسجام بين العرض المسرحي والمتلقي، وتجعل من العرض المسرحي وصلاً مباشراً بالمتلقي. وهذا بدوره يشير إلى أهمية وفاعلية العروض المسرحية، بوصفها أداة فاعلة تؤثر في وعي وعاطفة ووجدان المتلقي، وربما تشكّل جزءاً من قناعته حيال القضايا المطروحة.

سليمان البسام، اسم مسرحي كويتي يعبد طريقاً مرصوفاً بالجهد الخلاق والمختلف، وهو بذلك إنما يحفر لاسمه مكاناً بين رجالات المسرح في الكويت والعالم العربي. جاء البسام إلى عالم المسرح مسكوناً بحب مسرحي يأخذ عليه لبه، ومدفوعاً لتقديم أعمال تستنطق الواقع المعاصر، على وقع كلمات شكسبير، وبروح إنسانية صالحة لكل زمان ومكان. لذا ولج سليمان عالم المسرح من أوسع أبوابه، وكان ولا يزال يمتطي الوجع الإنساني لمحاكاة الواقع المحلي والعربي وعلاقتهما بالعالمي.

«دار الفلك» العرض الأخير لسليمان البسام الذي احتضنه مسرح «دار الآثار الإسلامية»، بحضور صاحبة الدار الشيخة حصة الصباح، يرتبط بخطو البسام المعروف بعلاقته بمسرح شكسبير، وتحديداً عوالم مسرحية «الليلة الثانية عشرة»، ولكن اللافت هو إصرار البسام على الخوض أكثر في القضايا الشائكة محلياً وعربياً، وعبر لعبة مسرحية ذكية، تجعل من المشاهد عنصراً أساسياً من عناصرها.

منذ المشهد الأول، يدرك المتلقي أنه أمام مخرج يلعب دوره كمخرج للمسرحية من جهة، وكممثل ومخرج للعرض الدائر أمام الجمهور من جهة ثانية. ولقد كان معبراً استحضار الماضي وتفاعله بالحاضر، عبر ترميم مشاهد مسرحية قديمة، قُطّعت أوصالها وشاء المخرج إعادة تركيب مشاهدها، وهذا ليس ببعيد عن دور المسرح كفن، في ترميم ما عجز الواقع عن ترميمه.

موضوعات كثيرة ومتنوعة موغلة في جراءتها حاول سليمان البسام التطرق إليها، عبر نص مفتوح. حتى ليبدو خيط المسرحية الأساسي، أحياناً عاجزاً عن ضمها، وبالتالي ربما أراد سليمان أن يترك أثراً خاصاً لدى كل مشاهد، ولقد نجح في ذلك.

تحكم البسام بامتياز بحركة ممثليه، كما لعب الديكور والموسيقى والإضاءة أدوارا أساسية في خدمة العمل، وكان لافتاً قدرة البسام على صب أدوار الممثلين ضمن قالب لعبة المسرح، ومحاولته استخلاص أقصى ما يمكن الوصول إليه من قدرات ومهارات الممثلين، كفريق عمل متناغم.

يحسب للبسام سعية الدؤوب لتقديم مسرح كويتي مطعم بممثلين عرب، وهذا ما يعزز عمله مع الفنان القدير فايز قزق، خاصة وقدرة فايز الرائعة على تقمص وتجسيد مختلف الشخصيات والأدوار. وينسحب هذا على بقية فريق العمل: أمل عمران، وفيصل العميري، وكارول عبود، وفهد العبدالمحسن، ونصار النصار.

«دار الفلك» عمل مسرحي يحاكم الواقع العربي بمسطرة الحاضر، وبصوت جريء وعال جداً.