قرأت في «إيلاف» أمس مقالاً لرئيس تحرير صحيفة «القدس العربي» عبدالباري عطوان حمل عنوان «إنهم يسرقون ثورة الشرفاء», وأنا أتفق معه حول كل سطر ورد في مقاله ذاك, وأتفهم مخاوفه المتعلقة باحتمالات سرقة ثورة شباب مصر الأحرار, وأشعر مثله أن التغيير في مصر هو السبيل الوحيد لتغيير العالم العربي، ولا أجد مشكلة في التأكيد على أنني أتفق معه حول كل كلمة وكل فاصلة وكل علامة تعجب وردت في مقاله باستثناء شيء واحد فقط لم أستطع هضمه، وهو أن اسم الكاتب في ذلك المقال «عبدالباري عطوان»!
وأنا هنا لست معنياً بمتابعة تناقضات عبدالباري عطوان قدر عنايتي بكونه يجسد نموذجاً للإنسان العربي الذي يصنع في كل حدث قائمة من المبادئ الجديدة تتناقض تماماً مع المبادئ التي أعلنها في الأمس, فالمبادئ في الضمائر العربية ليست ثابتة بل متحركة وتتغير بتغير الأمكنة والأزمنة والشخصيات والمصالح, وحالة الانفصام المبدئي هذه يعانيها الملايين في العالم العربي, وليس لها أدنى علاقة بالمستوى الثقافي والتحصيل المعرفي للشخص المصاب بهذا الانفصام؛ حيث يمكن أن يصاب به سائق تاكسي يعيش في بولاق مثلما يمكن أن يصاب به رئيس تحرير صحيفة تصدر في لندن.يرى عبدالباري عطوان أن النظام المصري نظام بوليسي متعجرف... كلام جميل... كلام معقول (ما أقدرش أقول حاجه عنه)! ولكن ما يزلزل الدماغ حقاً أن عبدالباري قضى حياته وهو يدافع عن نظام صدام حسين الذي لا ينكر عاقل أنه نظام دكتاتوري دموي مرعب وليس مجرد «نظام بوليسي متعجرف», إلا إذا كان عبدالباري عطوان يرى أن قانون الطوارئ في مصر أسوأ من قانون قتل الأقارب من الدرجة الأولى في العراق, وأن حفلات التعذيب في المباحث المصرية أكثر وحشية من وجبات المقابر الجماعية التي نفذتها مخابرات صدام, وأن القنابل المسيلة للدموع في شوارع القاهرة أشد فتكا من غاز الخردل الذي أباد أهل حلبجة الكردية, لقد وصف عبدالباري الرئيس مبارك في هذا المقال بالطاغية والدكتاتور... فهل يعتقد عبدالباري أن صدام حسين كان شاعراً رومانسياً مثلاً؟!وينتقد عبدالباري عطوان موقف «الإخوان المسلمون» في مصر، ويرى أنهم يبحثون عن صفقات سياسية من شأنها أن تدمر الإنجاز الذي حققه شباب مصر... كلام جميل... كلام معقول «ما أقدرش أقول حاجه عنه», ولكن ما يجعل هذا الكلام بلا قيمة فعلية أن عبدالباري يقف باستمرار إلى جانب انقلابات «حزب الله» على الديمقراطية في لبنان، ولا يرى بأساً في مساومة الحزب للبنانيين على أمنهم من أجل صفقات سياسية رتبت في الخارج، وجعلت من عودة الحياة الديمقراطية حلماً بعيد المنال, فإذا كان «الإخوان» يساومون على الديمقراطية في مصر فما الذي يفعله «حزب الله» في لبنان؟ وينتقد عبدالباري عطوان الولايات المتحدة لأنها لم تكن جادة في «إسقاط الدكتاتور»... كلام جميل... كلام معقول «ما أقدرش أقول حاجه عنه», ولكن هذا الكلام يتحول إلى مزحة ثقيلة حين نتذكر أن عبدالباري يقف دائماً ضد التدخلات الأميركية في الشؤون الداخلية للدول العربية!الفئة الوحيدة التي سلمت من انتقادات عبدالباري عطوان في ذلك المقال الملتهب هم شباب مصر الأحرار الذين يثق بقدرتهم على صناعة التغيير, وهذا أيضا كلام جميل ومعقول إذا ما تناسينا أن عطوان كان معجبا بشباب تنظيم «القاعدة»!* كاتب سعودي كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
مبارك دكتاتور... وصدام بطل!
08-02-2011