الحقيقة أن مجلة "العربي" تمثل مخزناً تراثياً للأدب والشعر والعلم والتاريخ العربي القديم والمعاصر، من خلال أعدادها التي صدرت على مدى الخمسين عاماً الماضية، فهي تمثل مرآة عاكسة لكل حركة الثقافة العربية، وإنتاجها، خلال تلك الفترة، بكل ما تتضمنه تلك الثقافة من مدارس أدبية وشعرية، وفي فنون القص والسرد، وفي التراث والشخصيات التاريخية، إضافة إلى أهم ما صدر من كتب في المكتبة العربية في المعارف والفكر والأدب والنقد، بل حتى في الكتب الأجنبية التي اهتمت بالعالم العربي وبالثقافة العربية. وهو ما يجسد رسالة "العربي" المعرفية منذ صدرت أول مرة عام 1958 وحتى اليوم.

Ad

وبالإضافة إلى كل هذا كانت "العربي" حاضرة في الاحتفاء بالمناسبات الدينية الإسلامية المختلفة مثل مواسم الحج، التي توسعت في رصد طقوسها، إضافة إلى الكثير من الكتابات التاريخية والأدبية والدينية التي تناولت الحج، او شهر رمضان الكريم، حيث أصدرت العديد من الملفات عن هاتين المناسبتين وغيرهما، كما تناولت طقوس وعادات وتقاليد الشعوب الإسلامية العربية وغير العربية خلال الشهر الكريم، وعكست الفروق والاختلافات بين الثقافات في التعبير عن احتفائها بالشهر الكريم، عبر الاستطلاعات التي اهتمت برصد تلك التقاليد في أرجاء العالم الإسلامي.

ومن يمتلك المجموعة الكاملة من مجلة "العربي" يكن قد امتلك مكتبة شاملة تضم الحداثة والمعاصرة، في الآداب والفكر والفنون والعلوم، وخاصة الاستطلاعات التي تميزت بها "العربي" عن كل الصحف العربية، حيث إنها استطلاعات حية، مباشرة، لأغلب بلدان العالم، قدمت "العربي" من خلالها ثقافات شعوب مختلفة من الشرق والغرب، بالتجوال في افق الجغرافيا، وتأمل خصوصيتها في المناطق والدول المختلفة ورصد علاقة هذه الخصوصيات الجغرافية والطبيعية بهوية الشعوب التي تقطنها وثقافتها.

والحقيقة أن الغالبية العظمى من هذه الاستطلاعات لم تكن أبدا مجرد استطلاعات سياحية، بل زيارات ميدانية، حية، جسدت رؤية "العربي"، لواقع تلك الأماكن. وقد وثقت هذه الاستطلاعات قضايا الإنسان العربي في حياته اليومية، وتوسعت لاحقاً إلى العالمين الإسلامي والدولي، وهو ما منح القارئ الفرصة للوعي بشكل مباشر بما يحدث في العالم بما تسجله "العربي" في استطلاعاتها.

وأظن أن "العربي"، قد سبقت إلى هذا الميدان، واليوم لا تزال تقدم هذه الخدمة إلى قرائها بالشكل الذي لا يتوفر في المصادر المتاحة لأنها تذهب، بالإضافة للاماكن والمناطق المطروقة، إلى الكثير من المناطق النائية التي لا يكاد أحد يعرف عنها شيئا، وبينها على سبيل المثال العديد من الدول والمدن والقرى في قلب إفريقيا، وفي جنوبها وغربها، من نيجيريا والسنغال وموريتانيا ونامبيا، وصولا إلى الجنوب الإفريقي، وفي تخوم آسيا في مناطق المسلمين، وغير المسلمين التي لا يعرف عنها أحد شيئا، وغير ذلك من ثقافات، وبينها غجر الهند الباناجاراز، مثلا، أو معابد التبت، أو قرى المسلمين الصينيين، أو كتاتيب التعليم الديني التي فرخت الإرهاب في كابول، وغيرها، وتقتحم المجهول، وتطلع القارئ العربي في كل مكان على ما لا يعرفه من خصائص تلك الشعوب.

وقد تسببت هذه الرحلات في تسليط الضوء على الكثير من الشعوب والقوميات غير المعروفة في العالم، ومن بينها الكثير من المناطق التي كانت "العربي" تطؤها لأول مرة، مثل شينغ يانغ في الصين، ومعالم حضرموت القديمة منذ اوائل ستينيات القرن الماضي، وقريبا نبشت في الحبشة حتى وصلت إلى أول مسجد في الإسلام والذي بناه المهاجرون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذه هي طبيعة "العربي" ورسالتها التي مارستها على مدى نصف قرن ونأمل أن تستمر على المنوال نفسه لنصف قرن آخر من الزمان.