موسوعة الاوائل الكويتية
بالرغم من وجود علاقة خاصة بيني وبين الكتاب، فإنني في السنوات الأخيرة، صرت أقف حذراً أمام إضافة أي كتاب أو إصدار جديد إلى مكتبتي، وذلك بعد أن تعدت مساحتها ضعف ما كان مخصصا لها من مكان، وبعد أن أصبح بإمكان قرص كمبيوتر «سي دي» أن يحوي مكتبة كاملة، وأخيراً بعد أن صرت مسكوناً بهاجس المكتبة الشخصية المنتقاة. لكن كتباً بعينها مازالت تأسرني، لأنها تملك بريقاً يبعث الفرح في قلبي لحظة توافري عليها. وبالتأكيد فإن كتاب «موسوعة الأوائل الكويتية» لمؤلفه الباحث الفلكي عادل حسن السعدون، في جزئه الأول «من بداية الكويت حتى الاستقلال في عام 1961»، هو أحد هذه الكتب.
«موسوعة الأوائل»، إصدار أنيق بكل ما تحمل هذه العبارة من معنى. وهو صادر في طبعته الأولى عام 2009، برعاية ودعم من شركة «جبلة القابضة»، وكم تمنيت لو أن الشركات الكويتية الكبيرة، التي تحقق ملايين الدنانير كأرباح سنوية، أخذت على عاتقها إصدار كتاب سنوي، في شتى فروع المعرفة، يكون بمنزلة عربون صداقة ووصل بينها وبين الساحة الإبداعية والثقافية في الكويت والعالم العربي.موسوعة الأوائل، وكما هي لوحة الغلاف المعبرة، تقدم الخطوة التي كانت منطلقاً وحافزاً لتحريك ما سيأتي بعدها في المجتمع الكويتي، بدءاً من عام 5300 ق. م، حين «استوطنت جماعات من الصيادين في موقع اسمه شبه جزيرة طبيخ في منطقة الصبية شمال الكويت ويعود عهدها إلى ما يُعرف بحضارة العبيد» مروراً بجميع الحوادث التي شهدتها الكويت الأرض والوطن، وصولاً إلى صدور المرسوم الأميري الخاص بإنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، بتاريخ 31/12/1961. إن ما يميّز الموسوعة، هو أنها قادرة على تقديم صورة وافية وواضحة وممتعة عن تطور المجتمع الكويتي، منذ هجراته الأولى، مرورا بتشكل ملامح المؤسسات الأولى للدولة، وتالياً جميع الأحداث السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية والفنية والصحية والرياضية، وباقي نواحي الحياة. معلومة صحيح أنها تقدم الأوائل، لكنها في نهاية المطاف، تقدم سيرة دقيقة الملامح وصادقة عن مخاضات وولادة دولة الكويت الحديثة. مع إعطاء الحق لأهله في مبادراتهم الإنسانية التي كانت في معظمها تحتاج إلى وعي متقدم وشجاعة وتضحية، لأنها تأتي حاملة الجديد، ولأن الجديد، في كل مجتمعات الأرض، يخيف مجاميع كثيرة، ترى فيه حرباً على قناعات حياتها الراكدة والمستقرة.إن موسوعة الأوائل لمؤلفها عادل حسن السعدون، جاءت وليدة جهد كبير ومضن استمر تسع سنوات، وربما كان طول المدة مؤشراً على اتساع المادة التي تناولتها الموسوعة، مثلما يدل على شموليتها، وحسن تدبير معلوماتها، واستعانتها بصور تاريخية، تشكل ملمحاً جميلاً يُضاف إلى الحدث التاريخي.إن كتاباً تاريخياً توثيقياً بشمولية ودقة وتماسك ولغة، موسوعة الأوائل، يُعد بحق إضافة مهمة وكبيرة إلى المكتبة الكويتية والعربية والعالمية، لأنه لا يقدم سرداً تاريخياً للمبادرة الإنسانية الفردية، بل يجمع بين دفتيه تاريخ وطن وشعب، ليخلص في محصلته إلى أن التراكم الكمي في المبادرات لأبناء أي شعب، إنما يصنع الوجه المشرق لذلك الشعب في اتحاده بروح وطنه.تحية من القلب للأستاذ عادل حسن السعدون، ونحن بانتظار الجزء الثاني.