رغم الذكريات الأليمة التي خلَّفها في نفوسنا الاحتلال العراقي البغيض لوطننا، فإن علاقتنا مع العراق يجب أن تأخذ في الاعتبار عددا من العوامل التي تراعي مصالحنا الوطنية الاستراتيجية من جهة، وأن تُبنى على أساس مصلحة كلا البلدين على المدى الطويل من الجهة الأخرى ، إذ إن الشعوب الحية تتسامى على جراحها العميقة وآلامها النفسية من أجل مستقبل أوطانها.

Ad

هناك مسلَّمات معروفة في العلاقات الدولية يأتي في مقدمتها أنه ليس هناك عداوة دائمة ولا مودة دائمة، بل إن هناك دائماً وأبداً مصالح دائمة، لهذا السبب فإن العلاقات بين الدول لا تُبنى على العواطف أو الرغبات الشخصية أو الأماني، بل إنها تُبنى عادة على المصالح وبالذات المصالح الاقتصادية والسياسية.

ولأن المصالح الاقتصادية بطبيعتها دائمة التغير، فإن العلاقات السياسية بين الدول تتغير تبعاً لذلك، ولو استعرضنا تاريخ العلاقات بين الدول كافة، لوجدنا أنه لا يخرج عن هذه القاعدة، وإذا مررنا، على سبيل المثل لا الحصر، بتاريخ أوروبا الحديث لوجدنا أن أغلبية دول أوروبا قد خاضت حروباً مدمرة في ما بينها، خصوصاً أثناء الحرب العالمية الثانية، بيد أنها قد تجاوزت ذلك منذ زمن بعيد، لذا فإنها أصبحت تشكل مجتمعة في الوقت الحاضر أضخم تكتل اقتصادي وسياسي وعسكري دولي مؤثر على الساحة الدولية، الاتحاد الأوروبي.

من ناحية أخرى، فإن العلاقات السياسية بين أميركا واليابان قد تطورت بعد الحرب العالمية الثانية تبعاً لمصلحة كل من البلدين إذ لم تتأثر العلاقة بينهما أو تقف أسيرة للذكريات الأليمة أو الأحداث العنيفة جداً وغير الإنسانية التي حصلت أثناء الحرب رغم أن أميركا، وكما هو معروف، استخدمت القنبلة الذرية ضد اليابان قبيل نهاية الحرب العالمية مما تسبب في تدمير مدينة هيروشيما اليابانية في السادس من أغسطس 1945 أي قبل 65 عاماً مخلِّفة أكثر من 140 ألف قتيل. وخير دليل على تجاوز كلا البلدين الذكرى الأليمة لهيروشيما، أن الحكومة الأميركية بعثت الأسبوع الماضي ممثلاً عنها لحضور فعاليات إحياء الذكرى الخامسة والستين لتدمير مدينة هيروشيما اليابانية التي حضرها أيضاً ممثلون عن كل من فرنسا وبريطانيا اللتين لهما أيضاً علاقات اقتصادية وسياسية متطورة مع اليابان، رغم أنهما كانتا حليفتين للولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية.

لذلك فإن علاقاتنا الدولية لابد أن تخضع لهذه القاعدة المعروفة في العلاقات الدولية التي لا مكان فيها البتة للعواطف والأماني والرغبات الشخصية، أضف إلى ذلك أن هنالك حقائق جغرافية وثوابت تاريخية قائمة بين دول العالم لا يمكن بأي حال من الأحوال تغييرها أو تجاوزها أو تفسيرها حسب الرغبات والأماني.

من هنا فإن علاقتنا مع العراق يجب أن تأخذ في الاعتبار كل هذه العوامل مجتمعة، فتراعي مصالحنا الوطنية الاستراتيجية من جهة، وأن تُبنى على أساس مصلحة كلا البلدين على المدى الطويل من الجهة الأخرى رغم الذكريات الأليمة التي خلَّفها في نفوسنا الاحتلال العراقي البغيض لوطننا، إذ إن الشعوب الحية تتسامى على جراحها العميقة وآلامها النفسية من أجل مستقبل أوطانها. وفي هذا السياق يتعين ألا يغيب عن بالنا أن استقرار الوضع الداخلي في العراق ونجاح التجربة الديمقراطية سيسهمان مساهمة كبيرة في تطوير العلاقات الثنائية الطيبة بين البلدين والعكس صحيح.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة