لا تدل التعديلات المخجلة لقانوني المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع على شيء غير الإفلاس الحكومي، هو إفلاس فكري حين تضحى السلطة الحكومية فاقدة لزمام المبادرة وتصير أسيرة لهواجس الخوف من الرأي الآخر، وهو الرأي الناقد لها أو لحواشيها من التابعين. وتأتي التعديلات الحكومية في وقت تشهد فيه الدولة أسوأ ممارسة استبدادية من عمرها الدستوري، فهناك الحالة المزرية لسجناء الرأي مثل محمد الجاسم ود. عبيد الوسمي، وطريقة التعامل معهما، فلم تفرق السلطة الحكومية بين أصحاب الكلمة وأصحاب السوابق الإجرامية، فأغرق الأول في سيل من القضايا الجزائية لم تترك له مجالاً لاسترداد أنفاسه، وتم سحب الثاني من قدميه ثم ضربه بطريقة مهينة لا تليق بأي إنسان بسيط يعبر عن رأيه في ديوان خاص، فما بالنا والضحية الذي أضحى متهماً محبوساً هو أستاذ للقانون بالجامعة، ومخجل أيضاً أن يفتي أحد ضاربي الدفوف للحكومة بأن د. الوسمي ضبط في جريمة مشهودة... فكيف توصل علامة القانون إلى أن هناك جريمة أساساً حتى يقرر أنها جريمة "مشهودة"؟! وبالتالي يجوز للسلطة أن تنحي جانباً الجانب الإجرائي من قانون الجزاء...! ومن أين نأتي بضمان قانوني لحرياتنا وكراماتنا إذا دهست الإجراءات الجزائية المفترضة، فهي ليست "شكلاً" للقانون، وإنما روح العدل.

Ad

حرية النقد للسلطة لم ترتفع كي تهدد هيبتها حتى تبادر تلك السلطة إلى اقتراح مثل تلك المشروعات السيئة التي تصادر جملة وتفصيلاً حرية الضمير، فالهيبة المزعومة لا تكون للأشخاص العامين مهما سمت مراكزهم في دولة القانون وإنما للقانون ذاته، والذي يحدث الآن هو إرهاب مقنن بلغة التشريع، ويأتي هذا الإرهاب التشريعي مترافقاً مع إرهاب "المطاعات" والعضلات المفتولة لقوات الأمن الخاصة... لنتذكر ونقر بأنه ليس لدينا ديمقراطية حقيقية في الكويت مهما بالغنا في تقديس هذا الدستور المخترق من الحكومة والمجلس، فالديمقراطية تفترض تداول السلطة وحرية الأحزاب وتشكيل حكومة من حزب الأغلبية، وكل هذا غير حاصل في دولة "يارب لا تغير علينا"، كل ما نملك هو القليل من حرية التعبير، وسينقضي هذا "القليل" متى أقرت التعديلات أو بلغة أصح "التكبيلات" الحكومية من قبل مجلس الحكومة النيابي... فليلطف الله بأبنائنا ومستقبلهم... فهم أفلسوا مسبقاً من التنمية الإنسانية وسيفلسون بالغد من الكرامة  الإنسانية.