قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، وعندما اتضح أن الثورة المصرية ماضية في طريقها، كان أشخاص يقومون بأعمال على درجة عالية من الأهمية والسرية في ذات الوقت، ففي أحد المباني المعروفة تبعيتها لجهاز الأمن دون أن توضع عليه أي علامات كانت عربات محملة بكراتين تحتوي على أشرطة تأتي للمبنى الذي يحتوي على ساحة صغيرة بها حفرة أشعلت فيها النار، حيث يتم إلقاء تلك الكراتين والأشرطة فيها. من الواضح أن تلك «المحروقات» كانت تتضمن ما يمكن أن يشكل إدانة لأعمال قام بها جهاز الأمن، وأن الهدف كان إخفاءها عن عيون الثوار وعن الثورة.
لعل البعض قد استغرب التصعيد الملحوظ للمطالبة بحل جهاز مباحث أمن الدولة في مصر خاصة أن العديد من مطالب الثوار قد تم تحقيقها. بل إن البعض قد يتصور أن حل الجهاز الأمني المذكور يمثل تفكيكاً للمنظومة الأمنية في البلاد، وبالتالي تهديد الاستقرار وإشعال الفوضى، كما أنه بنفس المنطق فإن ذات البعض قد يظن أن المطالب الأساسية قد تحققت فلماذا يتم التركيز على موضوع قد يراه البعض جزئياً وهو قد يتحقق بالتبعية للتغييرات التي ستطال النظام السياسي كحل الحكومة واستبدالها بأخرى.عبر قرابة العشرين سنة الماضية شاركت وعملت على العديد من قضايا انتهاكات حقوق الإنسان بمصر، وراقبت العديد من المحاكمات التي تمكن بعض المحامين المصريين الشجعان وبعض جمعيات حقوق الإنسان المصرية الجادة والمناضلة من إيصال تلك القضايا إلى أروقة المحاكم. وكان أن صدرت حول تلك القضايا العديد من البيانات والتقارير الصحافية من داخل مصر أو خارجها من منظمات دولية رصينة كالعفو الدولية أو الووتش أو الفدرالية الدولية أو اللجنة الدولية للحقوقيين وغيرها. ولعل أحد أشهر تلك القضايا وأقربها إلى الذاكرة قضية تعذيب وقتل الشاب خالد محمد سعيد على أيدي ضباط المباحث.كل تلك الجهود كانت تذهب سدى أمام الحماية المطلقة من النظام والصلاحيات غير المحدودة لجهاز أمن الدولة، مما جعل من ذلك الجهاز دولة داخل دولة، يحكم بقواعد لعبته الخاصة ليتحول إلى وحش كاسر يستمرئ التعذيب والقمع والكبت كنوع من الدفع الذاتي.إن المطالبات الشعبية في مصر بحل جهاز أمن الدولة في حقيقة أمرها تمثل البداية الفعلية لتغيير النظام والبدء بإصلاحات جادة دون أن يعني ذلك بأي شكل من الأشكال تفكيكاً أو انهياراً للمنظومة الأمنية للدولة، بل هي إعادة بناء وتأسيس بنية تحتية للأمن.لقد أكدت التحولات التي حدثت في العالم منذ 1990 في أكثر من 60 دولة، أن التحدي الأكبر أمام بناء ديمقراطيات حديثة على أنقاض ديكتاتوريات سابقة كان في إعادة بناء الأجهزة الأمنية وإعادة تأهيلها لتتناغم مع النظام الديمقراطي، كما كان واضحاً أن أغلب الدول التي تعرضت ديمقراطياتها الوليدة لاختلالات وتراجعات كان بسبب الإبقاء على الأجهزة الأمنية القمعية على وضعها دون إعادة تأهيل وإعادة بناء الجهاز الأمني وبالذات جهاز أمن الدولة لكي يصبح بحق حامياً لأمن الدولة لا لأمن الحكومة وحاشيتهم.* الحراك الشعبيخلال أكثر من أسبوعين كنت في مهمات عمل في عدة دول أغلبها كان يركز على الأحداث المتسارعة في الوطن العربي التي سنعود إليها لأهميتها في مقالات قادمة. ومع أن الوضع في الكويت يختلف، بل إن لكل دولة عربية ديناميات مختلفة ومساراً مختلفاً فإن مظاهرة البدون وما تم إعلانه من اعتصامات وتجمعات سياسية سواء اختلفنا معها أو اتفقنا تدل على حيوية المجتمع، وتجديد لأسلوب الحراك السياسي التقليدي عبر مجلس الأمة فقط. فلست أفهم الضرر الذي يقع على المجتمع عندما يتجمع الناس بطريقة سلمية حضارية لإعلان احتجاجهم على أمر ما، من غير المفهوم كذلك الحديث عن منع تلك التحركات مع أنه حق مكفول بالدستور، وكذلك هو حق أصيل في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهو الاتفاقية التي صادقت عليها الكويت وبالتالي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من القانون الكويتي.
أخر كلام
لماذا حل أمن الدولة؟
07-03-2011