ما يمكن أن يساعد كثيرا في تنقية أجواء لبنان من «تلوث» غبار الأطلسي هو تلك الأنباء المتواترة المتسربة من دمشق كما من طهران، والتي تفيد بأن ما حصل في العراق من تفاهمات أطفأت نيران الفتنة، وإن لم تحسم كل الخلافات كما لم تجسّر الثقة بشكل نهائي بين الأطراف. قليلون هم المتفائلون بإمكانية نجاح المسعى السعودي- السوري لمنع صدور القرار الظني، وذلك على طريق إنهاء ملف المحكمة الدولية «من الأساس» حرصا على منع سفك المزيد من الدماء اللبنانية، ناهيك عن منع اندلاع حرب شاملة في المنطقة قد يقامر في إشعالها مغامرون إسرائيليون للخروج من شرنقة العجز المتمادي لجيش «مهشم الصورة» تتضاءل حيله في استعادة صورة «الجيش الذي لا يقهر»!

Ad

لكن نصرالله والأسد من هذه القلة التي لا تزال تتمنى للملك عبدالله بن عبدالعزيز أن ينجح في مشروعه الإصلاحي للمملكة ونظرته الإيجابية للتعاون الإقليمي على حساب مشروع فيلتمان– نتنياهو الذي يمعن في الإيغال في تأجيج صراع «مكونات» البيت الواحد في كل قطر عربي، وتاليا فإنهما– أي نصرالله والأسد– يعتقدان بإمكانية تغلب الملك على فيلتمان لبنانياً على أقل تقدير، شرط أن يساعد اللبنانيون أنفسهم ويتحصنوا بفضيلة الاستماع الى أبناء الوطن الواحد، ويمتنعوا عن الإصغاء كثيرا إلى صدى الأصوات القادمة إليهم من وراء البحار.

العلائم والمؤشرات على ذلك كثيرة، فبالإضافة إلى كل ما نقرؤه ونسمعه من السوريين واللبنانيين على قرب نجاح مساعي الملك العربي، فإن أنباء طهران هي الأخرى تشير إلى نجاحها في توسيع «فتحة» الحوار الإيراني السعودي بعد أن نجحت معادلة «العين عين غين» نسبة إلى الأحرف الأولى من أسماء سفراء سورية وإيران والسعودية في لبنان، من إنجاح مهمة مساعد وزير الخارجية الإيراني محمد رضا شيباني في الرياض والذي كان يشغل منصب سفير بلاده في لبنان، حيث تشير المعلومات المتاحة بأنها كانت مثمرة جدا وأنها ستفضي قريبا إلى لقاء على مستوى وزيري خارجية البلدين ومن ثم إلى قمة سعودية إيرانية بشرط تعثر مهام فيلتمان الذي كلف على ما يبدو رسميا من قبل إدارة بلاده لتخريب أي مسعى إقليمي يهدف إلى تعطيل مفاعيل القرار الظني السيئ الصيت والمحكمة الدولية المخطوفة إسرائيليا.

ما يمكن أن يساعد كثيرا في تنقية أجواء لبنان من «تلوث» غبار الأطلسي هو تلك الأنباء المتواترة المتسربة من دمشق كما من طهران، والتي تفيد بأن ما حصل في العراق من تفاهمات أطفأت نيران الفتنة، وإن لم تحسم كل الخلافات كما لم تجسّر الثقة بشكل نهائي بين الأطراف، يمكن أن يترجم لبنانيا بنسخة معدلة يكون فيها اللاعب اللبناني هو الحكم وتكون له كلمة الفصل أمام ميول الإقليم كما رياح الأطلسي!

العارفون ببعض خفايا الأمور والقريبون من مطبخ صناعة القرار الإيراني يؤكدون أن «السيد القائد» في إشارة إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية، كان قد أكد أخيرا وفي أكثر من مناسبة تفويض قائد المقاومة الإسلامية السيد حسن نصرالله في خوض معارك التصدي للعدو الصهيوني سلما أو حربا بناء على المصلحة اللبنانية، كما يراها هو أي نصرالله، وأنه هو من ستكون له الكلمة الفصل في تشخيص المصلحة العامة في شكل التعاطي مع الأحداث المترتبة على أي عدوان صهيوني محتمل, ليس فيما يخص الشأن اللبناني فحسب، والذي هو أمر مفروغ منه، بل فيما يخص أي مصلحة إيرانية مفترضة، سواء تعلق الأمر في شأن العلاقة مع لبنان أو أي طرف عربي آخر، ننقل هذا لمن يأخذ على حزب الله وقائد المقاومة بأنه من حزب ولاية الفقيه، وأنه قد يكون يخوض معاركه بناء على مصالح إيرانية ما.

من ناحية أخرى فإنه يخطئ تماما من يظن أن أحدا من هؤلاء القادة الثلاثة أي السيد القائد أو نصرالله أو الأسد إنما ينظرون إلى معادلات الحكم وتفاصيل المحاصصة أو المفاوضات أو التعاملات الداخلية أو الخارجية في العراق، وكذلك الأمر في أفغانستان بعين الرضا، الأمر ليس كذلك أبدا، لكن الأهم هو أنهم يرفضون في الوقت نفسه تلك النظرة العدمية التي تروج لها رموز الأطلسي وتوابعها الإقليمية بأن كل شيء هناك إنما هو حالك السواد، وكل ما عدا الأميركيين والأطلسيين إنما هم دمى متحركة سلّمت أمورها كاملة لجنرالات الغزو وجنود الاحتلال وبطانتهم الفاسدة والمفسدة!

وعليه فإن ثمة «تدبيرا» خاصا يفترض أن يلجأ إليه الحريصون على الإقليم الإسلامي والعربي الذي يضم قوى متعددة الرؤى صحيح، لكن عليها اليوم واجب التصدي المشترك لطيش فيلتمان ومن يمثل في مخططه الجهنمي الذي يريد تفجير لبنان ليعيد خلط الأوراق في المنطقة بعد مرارة الفشل الذريع لحروب بوش وأوباما في كل من أفغانستان والعراق.

مرة أخرى وعوداً على بدء مع لبنان فإن ثمة إرادة سعودية ومساعي حثيثة يعتقد القادة السوريون واللبنانيون والإيرانيون أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز يبذلها على قدم وساق في محاولة جدية، ليس فقط لإنقاذ لبنان من سيناريو خراب جديد، بل من أجل إنقاذ ما تبقى من نفوذ أو كلمة سعودية مسموعة هنا أو هناك، بل كذلك منعا لما هو أخطر من فتنة طائفية تم وأد مفاعيلها عمليا، وأقل من حرب أهلية لا يجرؤ أحد على إشعالها في ظل وعي عامة اللبنانيين، لكنه قد يكون فصلا جديدا من حياة لبنان الحديث، وقد تكون بدايته ولادة قيصرية لمعالم خريطة جديدة للمنطقة في حال أصر أرباب المحكمة الدولية ومفبركو شهود الزور القدامى والجدد رمي المقاومة الإسلامية وحلفائها بشوكة!

لقد أثبتت الأحداث والتطورات الأخيرة في لبنان أن بارقة الأمل الوحيدة المتبقية لمنع الذهاب إلى المجهول تكمن في الواقع في صيانة وثيقة التفاهم الموقعة بين أمين عام حزب الله لبنان السيد حسن نصرالله وزعيم التيار الوطني الحر الجنرال عون، الوثيقة التي ليس فقط كان لها الفضل في صمود اللبنانيين في وقت الحرب بل هي من حمت حتى الآن باعتراف كل المراقبين والمحللين استمرار التعايش بين سلاح المقاومة والجبش الوطني اللبناني، وهي التي كرست كذلك العيش اللبناني المشترك على مستوى المسلمين والمسيحيين في لبنان.

وهنا ثمة من يجزم بأن مستقبل النظام اللبناني برمته بات اليوم رهنا بالكف عن خدمة مخطط فيلتمان الفتنوي، والذي يعني فيما يعني خدمة مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يستبدل اليوم الحرب بالمحكمة الدولية كأداة للانتقام السياسي من المنتصرين في يوليو عام 2006.

ويحذر مطلعون من أن استمرار مثل هذه «الخدمة» المجانية للعدو على قاعدة الرأي والرأي الآخر ستعني اعتبارا مما بعد صدور القرار الظني خيانة عظمى بحق لبنان والعرب مسلمين ومسيحيين، والخيانة العظمى لم تكن يوما وجهة نظر بقدر ما كانت عمى بصيرة وبصر ينال صاحبها أشد أنواع العقاب، أقلها منعه من الاستمرار في فعل الخيانة أيا تكن النتائج، ما يعني الإطاحة بكل نتائج اتفاق الدوحة حتما، وربما تغيير الوضع السياسي في لبنان برمته، كما يردد مقربون من قادة المعارضة الوطنية اللبنانية.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني