كيف بدأت الثورة المصرية؟
هناك حاجة ماسة لكي نفهم ما جرى في تونس ومصر، وكيف تحول مجتمعان عربيان يتسمان بالانضباطية الشديدة، والنظام الأمني الصارم، إلى ثورة شعبية عارمة يشارك فيها كل شرائح المجتمع دون تردد. بالطبع لسنا هنا بحاجة إلى تأكيد أن الثورة، أي ثورة شعبية على أي تنظيم مستبد، لا يمكن لها أن تتحرك وتتشكل إن لم تكن هناك مسببات عامة من الأنظمة المستبدة تستفز بها شعبها وتحتقره وتتخذه على أن استكانة الشعب هي أمر مسلم به.ولكن ما حدث هنا في مغرب الأمة العربية بتونس الحبيبة وفي قلب الأمة العربية وقيادتها الطبيعية بمصر العزيزة لم يكن من تكرارات التاريخ المعتادة لكي نقيس عليها سوابق الأحداث.
هناك حراك عالمي واضح للعيان يصبح فيه ما كان مستحيلاً في سالف الزمن ممكناً، الذين يعيشون في أقبية فكرية تقليدية مازالوا غير قادرين على استيعاب الحراك الانفتاحي العالمي الذي جعل من شخص عادي يجيد التعامل مع التحولات التقنية مثل جوليان أسانج أن يقض مضاجع حكومات ورؤساء ومسؤولين ليس أقلها الولايات المتحدة الأميركية. كنت أرقب تطوراً ملحوظاً لدى الأنظمة العربية ومنها مصر وتونس، ومن خلال مراقبتي للعديد من المحاكمات التي تمت لمناضلي حقوق إنسان بأن الحكومات قد بدأت تتوجس خيفة من ذلك الوحش القادم بنظرها المسمى إنترنت، وهكذا تم إيجاد أجهزة باسم «شرطة الإنترنت» دورها هو رصد المناوئين للنظام، ولكن من خلال ما كنت أسمعه من ممثلي شرطة الإنترنت في قاعة المحكمة اتضح لي أن أنظمتنا العربية غير قادرة على الانتصار في هذه الساحة، وقد اتضح لنا ذلك في ميدان التحرير. فبمقابل أكثر الإبداعات في تاريخ البشرية، وهي الدعوة إلى الثورة الشعبية وتحديد موعد لها من خلال شباب التويتر والفيس بوك، تجلت لنا إبداعات متخلفة للمواجهة عن طريق الجمال والخيول وكأننا في حرب داحس والغبراء.ولذلك لم يكن مستغرباً أن ردود فعل السلطة بدلاً من أن تتوجه كالعادة إلى اعتقال المعارضة الداعية إلى الثورة قامت بإغلاق شبكة الإنترنت الأخيرة في 31 يناير، خاصة أن الشبكات الأخرى «لنك إيجبت» و»فودافون/ راية» و»تلكوم إيجبت» و»اتصالات مصر» كان قد تم إغلاقها في 27 يناير كرد فعل على بداية نجاح الثورة المعلنة في 25 يناير 2011.ربما يكمن الاختلاف الرئيسي بين الثورة التونسية والمصرية في أن الثورة المصرية تجاسرت على الفعل التاريخي بتحديد موعد ومكان للثورة. إنه فعل جديد يحتاج منا إلى تمعن وتبصر وإدراك.كيف تمكن أولئك الشباب في الفضاء المطلق من أن يحددوا موعداً للثورة والأهم ليس الدعوة بحد ذاتها ولكن أن يستجيب الشعب المصري لتلك الدعوة، بل ويتضح لنا درجة الضعف الذي تعانيه الأحزاب التقليدية التي لم يجرؤ أحد منها حتى اللحظة على الخروج عن رغبة وسقف الشباب. هناك محطات كانت تتكون وتتطور، عشت بعضها مع أصدقائنا في مصر، وعلمت عن بعضها، منذ قرابة الثماني سنوات بدءاً من حركة كفاية التي شكلت بداية للفكرة والتنوع، فليرحم الله د. عبدالوهاب المسيري، مروراً باعتلاء صهوة الفيس بوك واليوتيوب ومن ثم التويتر وإضراب عمال شركة المحلة وظهور حركة 6 أبريل 2008، وعجل بها مقتل الشاب خالد محمد سعيد على يد شخصين من المباحث قاما بضربه بوحشية حتى توفي وبدلاً من الاعتراف بذلك ومحاسبة القاتلين تم شن حملة شرسة على خالد سعيد واتهامه بأنه كان مدمناً للمخدرات. تحولت حادثة مقتله إلى معركة قضائية شاركت فيها شخصياً والعديد من المنظمات الدولية الحقوقية والمصرية، بالإضافة إلى أنها ركزت حراكاً سياسياً حول موضوع التعذيب وقانون الطوارئ، لكي يتحول خالد سعيد إلى أيقونة مناهضة التعذيب، ولربما كان ذلك هو السبب وراء اختيار 25 يناير موعداً للثورة فهو اليوم الذي يسمى رسمياً «عيد الشرطة»، وهو اليوم الذي قرر الشباب تسميته «عيد التعذيب».كانت تلك باختصار بواكير الثورة التاريخية التي قادها شباب مغمورون من الفضاء المطلق، واستجاب لها الشعب المصري ليسطر تاريخاً يحق للأمة العربية أن تضيفه للتاريخ الإنساني. وحيث إن التفصيل في الموضوع مطلوب فستكون لنا عودة أخرى.* استقالةقبول استقالة وزير الداخلية على خلفية مقتل محمد الميموني المطيري، رحمه الله، تحت التعذيب من قبل ضباط مباحث خطوة في الطريق الصحيح. إلا أنها ليست كافية فهناك حاجة ماسة إلى برنامج متكامل داخل الوزارة لكي لا تتكرر هذه المأساة مرة أخرى. استقالة الوزير تحسب له والتأخر في قبول الاستقالة لم يكن مقبولاً خاصة أنها لم تقبل إلا بعد الاستجواب. وعسى أن تستشعر الحكومة أهمية الالتزام بمبادئ الدستور في الديمقراطية وتعزيز حرية التعبير، والتوقف عن إفراغ الدستور من محتواه عن طريق طلب تفسيره، والتوقف عن الملاحقة القضائية للمعارضين. نحن بحاجة إلى تهدئة واستقرار وبناء وهو أمر بيد الحكومة التي تأتي قراراتها متأخرة دائماً.كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة