مد وجزر سياسي!
يجب أن نعطي الخلاف مهما اشتد، والتباين في الرؤى والمواقف مهما تباعدت، حجميهما الطبيعيين وعدم استغلالهما كما يحدث غالباً، خصوصاً في الفترة الحالية، في تعبئة النفوس وتأليب الناس بعضها ضد بعض إلى حافة الانفجار وزج الديمقراطية والاستقرار الوطني برمته في أتون مثل هذه الخلافات فقط... وفقط من أجل كسب جولة عابرة!المفارقة الكبيرة بين جلستي الاستجواب وحقوق المرأة الإسكانية يجب أن تكون الخط الفاصل في تعريف معنى الاختلاف والتباين في الآراء والمواقف السياسية، وأن نتقي الله في ديمقراطيتنا التي مازالت تحمل بقايا من الخير والتفاؤل إذا ما أردنا جميعاً المحافظة عليها ورعايتها.
فجلسة الاستجواب المقدم لسمو رئيس مجلس الوزراء وما سبقها من أحداث وما تخللها من مظاهر، سواء على صعيد الندوات الشعبية الساخنة أو الاستنفار الأمني غير المسبوق، ومحاصرة مبنى مجلس الأمة بالقوات الخاصة، وتحويل الجلسة إلى سرية، حاول البعض تفسيرها من زوايا مخيفة جداً، ولم يتورع البعض من تصويرها كمحاولة لقلب نظام الحكم وعصيان مدني وتحدٍّ للمقام السامي.وتجاوز الأمر حد الخلاف في الرأي سياسياً، وتباين المواقف في إطار الدستور، وتفعيل أدوات المساءلة فيه إلى الضرب تحت الحزام، والدخول في النوايا، وإطلاق قاموس الكلمات والخطب النابية والأوصاف الجارحة؛ من أجل فرز المواقف والدفع باتجاه تعزيزها، والسباق على حصد الأرقام المؤيدة والمعارضة له.ولم يمض على هذا الاستجواب أكثر من 24 ساعة فقط حتى شهدت الجلسة التالية انسجاماً تاماً واتفاقاً كاملاً بين الأعضاء جميعاً من كلا الفريقين المتضادين في مادة المساءلة، وكذلك الحكومة عند مناقشة قانون حقوق المرأة الإسكانية والموافقة عليه بالإجماع، وفي جلسة أيضاً امتدت أطول من الوقت المخصص لها، وزادت عن محيطها الخارجي صور الاستنفار الأمني أو السرية أو الخطاب المتشدد! فلماذا هذه المفارقة؟ وما الذي تغير خلال الساعات القليلة؟ في الواقع لم يتغير شيء سوى الموضوع والمواقف منه، كذلك انسجام وسائل الإعلام مع الحدث، وهذه صورة واضحة من صور الديمقراطية التي قد نختلف في ظلها إلى حد النخاع، وقد نتفق إلى حد الوئام، وهذه الصورة لم تكن وليدة الأمس، فقد شهدنا مراراً وتكراراً محطات متشابهة، بل متطابقة تماماً حيث الشد والجذب، وسرعان ما تحولت الأمور إلى اتفاق وهدوء.ولم يقتصر هذا الجو على جلستي الأسبوع الجاري، إنما حتى على صعيد الأزمات التي كانت تعصف بالعلاقة بين المجلس والحكومة، إما باستقالة الحكومة، وإما بحل المجلس حيث تتبدل الأجواء العاصفة إلى الهدوء من جديد.ولهذا يجب أن نعطي الخلاف مهما اشتد، والتباين في الرؤى والمواقف مهما تباعدت، حجميهما الطبيعيين وعدم استغلالهما كما يحدث غالباً، خصوصاً في الفترة الحالية، في تعبئة النفوس وتأليب الناس بعضها ضد بعض إلى حافة الانفجار وزج الديمقراطية والاستقرار الوطني برمته في أتون مثل هذه الخلافات فقط... وفقط من أجل كسب جولة عابرة! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة