لم أفهم!! كيف يمكن أن يكون ذلك؟!

Ad

هذا كان تعليق صديقي على مقالة «ليكن الفراق صديقاً»، التي نشرت في هذه الزاوية بالعدد الماضي.

صديقي أردف قائلاً: كيف يمكن أن نجعل ممّن كان السبب في قتل أجمل ما فينا صديقاً؟!

كيف يصبح ذلك «البعبع» الذي ينتزع أحلامنا الوردية من بين أهدابنا غفلةً لنجدها مصلوبةً على جذع شجرة متيبّس وقد مُثِّل بها، كيف نجعل من ذلك «البعبع» قطة سيامية تشاركنا أريكتنا الوثيرة ومن الممكن أن نفسح لها مجالاً في أحضاننا لتنعم بالدفء والحب؟! كيف نشارك عدواً لنا في قطرة ماء أو لقمة طعام؟!

بدا جلياً أن صديقي غير متقبِّل للفكرة، من خلال أسئلته المتتالية، ومن خلال تلك الدهشة التي ارتسمت في عينيه، وعقدت حاجبيه... أقول لصديقي وربما لآخرين لم يستسيغوا الفكرة، أولاً الفراق ليس هو عدونا، فالفراق نتيجة لا سبب، وعدونا هو السبب الذي أدى إلى الفراق لا الفراق نفسه، الفراق ليس ضيفا متطفلا، بل أتى بدعوة... نحن من وجّه إليه تلك الدعوة سواء بقصد أو من دون قصد، لذا ليس من الأخلاق الحميدة أن نعامل ضيفا دعوناه، بسلوك لا يتحلى باللياقة... هذا من ناحية.

أما من ناحية الكيفية التي نحوّل فيها الفراق إلى صديق، فهي قد لا تكون سهلة لكنها ممكنة، والأهم أنها الطريقة الوحيدة الآمنة لتجنّب ما قد يتركه الفراق على وجه القلب من جروح قد لا يزول أثرها أبداً.

في البداية علينا ألّا نخشاه... فما نخشاه يتحوّل دائماً إلى عفريت يرعبنا حتى مجرد ذكره، ورعبنا يقوّي ضعفنا تجاهه، ويزيد إيماننا بجبروته وقوته التي لا تُقهر...

ثم إن علينا ألّا نهرب منه... هروبنا هذا يجعله يسارع أكثر للحاق بنا... ويجعله يترصد لنا عند كل مفترق، وكل بيت شعر، وكل صفحة في جريدة، وكل دو... مي... ري في نغمة، وكل حلم، وتحت وسائدنا، وتحت أظافرنا إن أهملنا قصها أيّاما.

إذا مشينا في الظلام علينا ألّا نرخي السمع بغية الانتباه إلى صوت خطواته خلفنا، حتى إذا خيّل إلينا أننا سمعنا صوتا لم نعرف مصدره أطلقنا أرجلنا للريح، فغالبا ما ترمينا هذه الريح في أحضانه، لذا لا جدوى من فعل ذلك!

ولا جدوى أيضاً من أن تندى جباهنا عرقا هلعاً منه، ولا أن ترتجف أيدينا عندما نلمح ظله، الهروب من الفراق ليس الوسيلة الناجعة لتجنب أذاه، بل أن العكس هو الصحيح، فكلما كنا رابطي الجأش عند رؤيته، صرنا أكثر قدرة على تحييده.

علينا أن نبدي تفهماً لأن وجوده ليس بالضرورة لرغبة منه، بل في الأغلب لرغبة منا.

علينا أن نتصالح مع وجوده في حياتنا.

يحدث أن يكون الفراق قاسيا علينا، شرسا، لا يحمل بين أضلعه قلبا تسكنه الرحمة أو العطف، لكننا ننسى أننا بادرناه مسبقا العداوة بغير ذنب، وما سلوكه ذاك سوى ردة فعل لمشاعرنا نحوه وتصرفاتنا تجاهه، وإذا أردنا أن نكسب صداقة الفراق، فعلينا أولاً ألّا نحمّله ذنوبنا.