احلام كاواباتا الاخيرة موعظة حول الاسلوب 1
كانت الدار التي يسكنها كاواباتا، تطل على سهل ذهبي يغطي مساحة شاسعة من الأرض، تلك هي حقول الأرز الطافية في الماء، كانت الدار تعود ملكيتها إلى جده الميّت منذ زمن بعيد.
«ذخيرة المستقبل» عبارة نُقِشت بخط جميل في القطعة الخشبية المعلقة عند زاوية الباب.فوق الأرضية الصلبة المتصلة بالدار، جلس كاواباتا على الأريكة الهزازة وهو يتأمل بعينين ضيّقتين رذاذ المطر الخفيف وحقول الأرز المترامية أمامه، كما لو كان نائماً، لكنه لم يكُن كذلك. لم تمضِ سوى دقائق قليلة حتى أغمض كواباتا عينيه فعلاً هذه المرة، فأحس كما لو أن الرذاذ يهمي في قلبه مباشرة، ثم دخل فوراً إلى أرض أحلام اليقظة.قال ميشيما بصوت أراده أن يكون مسموعاً:- أيها الرحالة الخالد يا معلمي، أنت كما يعرف الجميع كاتب عظيم له أسلوب مميز، غير أني أعتقد في النهاية بأنك روائي بلا أسلوب. التفت كاواباتا وأخفى –وقد عرف الصوت- ابتسامة خفيفة، ماكرة وقال كمن استوقفته مفاجأة سارة في الطريق:-آه، أخيراً عدت من رحلتك الطويلة يا يوكيو! أما أنا فأنت تعرف أنني لن أغادر هذه الأرض مرة أخرى، إنها أرض أحلامي، لكن قل لي يا يوكيو متى كان آخر لقاء جمعنا معاً وأين كان ذلك؟- في حانة النمر الأبيض يا معلمي، أجاب ميشيما.- أجل، علّق كاواباتا، ربما كان ذلك صحيحاً، كان ينبغي علي أن أتذكر لكن لا بأس، كان ذلك على ما أظن في فصل الخريف، في حي طوكيو القديم، أليس كذلك يا يوكيو؟- بلى، أجاب ميشيما، تماماً في مثل هذا الوقت.قال الجملة الأخيرة وهو يمسح عن معطفه بقايا عيدان صغيرة صفراء وداكنة.- في فصل الخريف إذن. تمتم كاواباتا كمن يكلم نفسه، ثم أضاف: - حسن يا يوكيو لقد نسيت حينها أن أخبرك أن تلك الفتاة الصغيرة التي لمحتها أنت من خلال زجاج حانة النمر الأبيض وكانت تركض عبر حقول الأرز الذهبية وشعرها يتطاير في الهواء، هي أمي.لم يُدهَش ميشيما من حديث كاواباتا، اقترب منه وأمسكه من يده ثم قال:- الضوء هنا يتعب العين يا معلمي، ما رأيك أن نذهب إلى تلك الحديقة المعتمة قليلاً، هناك مقعد خشبي يتسع لكلينا، ثم إننا لن نمكث هناك طويلاً.- لتكن رغبتك ابنة مدللة يا يوكيو، لا مانع لديّ.على المقعد في الحديقة الصغيرة تحت الضوء الكتيم قال ميشيما:- الغريب يا معلمي أنك لم تلمح تلك الفتاة، وأنا أتفهم أنها ربما كانت أمك لكنك لم ترَها وهي تجري في حقل الأرز، كأنك كنت أعمى أليس كذلك؟إذ إن كل ما قلته لي حينئذ هو أنك شعرت بشيءٍ أشبه بغلالةٍ سوداء تقتحم عينيك، ألا ترى الأمر غريباً يا معلمي؟كان الليل يتقدم بسرعة والهواء الخفيف البارد يهب بعذوبة، بلا انقطاع، وضجيج أصوات بشرية يُسمع من بعيد، اعتدل كاواباتا قليلاً في جلستهِ من دون أن ينظر إلى وجه محدثه، وأجاب:- ذلك جزء من الأسلوب يا يوكيو! أنت تعرف أن الموتى لا يُظهرون أنفسهم لذويهم أو أقربائهم، أجل، كان ذلك هو الأسلوب الأمثل لصبيّة هي أم لرجل مثلي.* لمتابعة المقال كاملاً انظر موقع الجريدةwww.aljarida.com