من أهم ما أكدته التطورات التي شهدتها مصر, والتي لاتزال حبلى بما هو في عالم الغيب, هو أن الأمن العربي (الاجتماعي) واحد، وأن التأثيرات المتبادلة في هذه المنطقة العربية الممتدة من تطوان في الغرب حتى رأس الخيمة في الشرق تشبه واقع المياه في الأواني المستطرقة، ولهذا فإنه مخطئ من يظن أن أطراف أثوابه بعيدة عن ألسنة النيران المتأججة في ميدان التحرير في القاهرة، وأنه باستطاعته أن ينام ليله الطويل هانئاً وبدون كوابيس ولا أحلام مزعجة.

ولهذا فإنه كان على الدول العربية كلها ألا تدفن رؤوسها في الرمال, على طريقة النعامة عندما تستشعر الخطر, إزاء هذا الانفجار الشعبي الهائل الذي شهدته مصر، وألا تبقى تلاحق الأحداث عبر شاشات الفضائيات وتلاحق المواقف من خلال الإيجازات اليومية التي دأب باراك أوباما على إطلاقها، وأن عليها أن تبادر على الفور إلى إعلان حالة الطوارئ السياسية، وتتداعى لاجتماعات سريعة على مستوى صانعي القرارات ووزراء الاقتصاد لا على مستوى وزراء الداخلية ومديري المخابرات وقادة الأجهزة الأمنية.

Ad

لقد حدث هذا الانفجار، الذي لاتزال ارتداداته الزلزالية مستمرة، نتيجة عوامل كثيرة، من بينها الترهل وشيخوخة النظام والفساد واحتكار السلطة من قبل مجموعة واحدة وحزب واحد، لكن الأهم من هذا كله هو البطالة المتفشية والتمايز الطبقي الهائل بين الأغنياء والفقراء، وأيضاً ذوبان الطبقة الوسطى واختفاؤها، وهذا من المفترض أنه هم بات يؤرق العرب كلهم حتى بما في ذلك الذين لا يعرفون لا الفاقة ولا المسغبة، فالمثل يقول إنك إن لم تسارع إلى المساعدة في إطفاء النيران عندما تشتعل في بيت جارك فإنها ستنتقل حتماً إلى بيتك.

هناك مثل آخر يقول: «عندما تكون هناك أسود جائعة فإنه على الغزلان ألا تتباهى باستعراض رشاقتها»، وهذا هو حالنا في المنطقة العربية، إذ إن هذا الزلزال الذي ضرب مصر سينتقل حتماً إلى الدول الشقيقة التي تظن أنها في مأمن، وأنها تعتصم بإمكاناتها المادية الوافرة، والأسباب بالنسبة إلى هذه الدول الشقيقة لن تكون الفاقة وقلة ذات اليد والبطالة وشح الخبز بل النفخ في إحدى القضايا العالقة، التي بالإمكان استغلالها من أي جهة لها مصلحة، كالطائفية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتقاسم السلطة والثروة.

سيأتي يوم تصبح فيه هذه العمالة الآسيوية الرخيصة عبئاً على أمن بعض الدول العربية وعلى تركيبتها الديموغرافية، وسيأتي يوم ستطالب فيه جاليات جيراننا على الشاطئ الآخر من «الخليج العربي» بجنسية الدول التي تحل ضيوفاً عليها، وعندها فإن الغرب كله سيبادر إلى تأييدهم وإلى ممارسة ضغط حقيقي على هذه الدول لحملها على الاستجابة لهم، ولهذا فإنه يجب التنبه إلى هذا الأمر منذ الآن، ويجب أن يكون البديل لهذه العمالة الآسيوية من مصر ومن الدول الشقيقة الأخرى التي تشكل البطالة فيها، ويشكل الفقر الذي تعانيه كابوساً يجعلها تتوقع أن يحصل عندها ما حصل في تونس، وما يحصل في ميدان التحرير في القاهرة.

يجب ألا يُفهم هذا الذي نقوله بالطريقة التقليدية السابقة عندما كان بعض الأشقاء يبادرون إلى ابتزاز أشقائهم هناك على ضفة الخليج العربي الغربية، من خلال التهويل والتهديد والوعيد والتلويح بقبضة الجارة العزيزة على الشاطئ الشرقي لهذا الخليج، فالمقصود هنا هو أن الأمن الاجتماعي العربي واحد، وأن ما يحدث من هزات اجتماعية في إحدى الدول العربية لن يبقى محصوراً فيها، وأنه بالتأكيد سينتقل إلى دول عربية أخرى وإن بأشكال مختلفة وبدواع غير الدواعي التي تقف خلف انفجار تونس وخلف انفجار مصر... و«أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض».

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة