كان هذا الشهر الأسوأ بالنسبة إلى جنرالات تركيا، لأن الجدال الأخير مع حزب العدالة والتنمية بشأن الأشخاص الذين يجب ترقيتهم خلال المراجعة السنوية التي يجريها الجيش في أغسطس انتهت بهزيمة نكراء.
مُني الجنرال إيلكر باشبوغ، العازم على التقاعد في 30 أغسطس بعد تبوئه منصب رئيس الأركان سنتين، بالخسارة الكبرى. أراد أن يُعيّن حسن أغسيز، قائد الفرقة الأولى، قائداً للقوات البرية، لكن رئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان، أعاق هذه الخطوة، بسبب ضلوع الجنرال أغسيز في استخدام مواقع إلكترونية مزيفة لتلطيخ سمعة "العدالة والتنمية".يُذكَر أن محتوى هذه المواقع استُخدم كدليل حين سعى المدعي العام في تركيا إلى وقف أنشطة الحزب منذ سنتين. تورط الجنرال أيضاً في مؤامرة مزعومة ضد الموالين لحركة "فتح الله غولن" الإسلامية التي تدعم حزب العدالة والتنمية بشكل واسع.هذا وانهزم المحافظون من الحرس القديم في مجال آخر؛ فقد فشل 11 ضابطاً متورطين في ما يُسمى بقضية "المطرقة"، محاولة انقلاب مزعومة، في الحصول على ترقية. وبذلك تداعت محاولات الجنرال باشبوغ لتعيين حليف آخر قائداً للقوات البرية. أما الترقية الوحيدة التي جرت كما كان مخططاً لها فكانت من نصيب الجنرال إيشيك كوشانير، أحد المحافظين الذي سيخلف الجنرال باشبوغ.يرحب داعمو "العدالة والتنمية" بهذه النتيجة باعتبارها انتصاراً للديمقراطية. في هذا الإطار، يقول محمد بارانسو، صحافي كشف معظم خطط الجيش المؤذية المزعومة: "أضعف عزم الحكومة القدرة على تنفيذ انقلابات". لكن يستطيع المرء أن يشتم رائحة مساومات وتنازلات متبادلة. لم ينتصر أردوغان إلا بعد أن قررت النيابة، في اللحظة الأخيرة، إلغاء مذكرات توقيف بحق 102 ضابط متورطين في قضية "المطرقة".من جهته، يعتقد داني رودريك، عالم اقتصاد جدير بالاحترام كان والد زوجته، شتين دوغان، جنرال متقاعد، أحد أبرز المشتبه بهم في انقلاب "المطرقة"، أن المحاكمة كانت في جميع الأحوال مشوبة بعيوب كثيرة.على صعيد آخر، يشكل تقليص النفوذ السياسي للجيش التركي، الذي أطاح أربع حكومات منذ عام 1960، أحد أقسى الشروط التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على تركيا للانتساب إليه. في هذا السياق، سيجري استفتاء في 12 سبتمبر المقبل حول رزمة تعديلات دستورية ستضعف الجنرالات العسكريين أكثر فأكثر، منها حكم يتيح محاكمة مدبري الانقلابات في محاكم مدنية لا عسكرية، وآخر ينص على منع الجيش من محاكمة المدنيين، إلا في زمن الحرب.بحسب عثمان كان، مقرر سابق في المحكمة الدستورية، يكمن مفتاح نزع الطابع العسكري في إجراءات تغير بنية الجهاز القضائي. يشير بوجه خاص إلى اقتراح بإضعاف التمثيل المؤيد للجيش في إحدى وكالات المراقبة القضائية، التي تُعرَف باسم "HSYK" والتي أنشأها الجنرالات عقب انقلابهم الأخير في عام 1980. يُذكَر أن قراراتها غير قابلة للاستئناف، لكن ذلك سيتغير إن صودق على الرزمة الدستورية.بالنسبة إلى العلمانيين الذين ينتقدون حزب العدالة والتنمية، لايزال هؤلاء ثابتين على موقفهم معتبرين التعديلات وسيلةً يريد بها أردوغان تعزيز "حكمه الديكتاتوري المدني". لكن بغض النظر عن هذه المبالغات، من شأن بعض هذه التعديلات بالفعل تعزيز صلاحيات الرئيس، منصب يُعتقد على نحو واسع بأن أردوغان يتوق إلى شغله. تقترح الرزمة مثلاً أن يعيّن الرئيس 14 عضواً في المحكمة الدستورية من أصل 17. في هذا الإطار، يشتكي إبراهيم كاب أوغلو، أستاذ بارز في القانون الدستوري بالقول: "إن كان ذلك جزءاً من عملية انتقال لنظام سياسي أكثر ديمقراطيةً، فيجب منح البرلمان قاعدة تمثيلية أكبر". مع ذلك، من الأفضل أن يلتزم أردوغان وعداً قطعه في السابق بإعادة صياغة الدستور برمّته.حينئذ فحسب، سينتهي حكم الجنرالات الذين صاغوه منذ 28 عاماً.
مقالات
جنرالات تركيا يخسرون جولة أخرى مع الحكومة
19-08-2010