ما يقام من «تطفيش» لمتطوعات دور الرعاية يرسم علامات استفهام كثيرة تستحق أن يتم التحقق منها، فحينما نسيء معاملة طفل يتيم ونمارس الظلم عليه عنوة، فإننا نحكم على جيل قادم بالعنف والإجرام، فمجرم الغد ما هو إلا طفل محروم ومعذب الآن. في أثناء استعدادنا أنا وصديقاتي من مجموعة «حياة» التطوعية لعمل حفل ترفيهي لأحبتنا من الأيتام، وبعد تجميع الأموال وشراء الهدايا، وبعد أن أخذنا من المسؤولين بيانات المحتفى بهم على أساس أن العدد 19 طفلاً من الذكور «من سن 3 إلى 13»، وبالنسبة إلى الفتيات المفترض أن يكون عددهن 15 طفلة، من «سنتين حتى 13 سنة»، فوجئنا أثناء الحفل بأن العدد تقلص إلى عشرة أطفال من الذكور فقط وعدم وجود أي فتاة، وحين سألت إحدى المشرفات الوافدات عن سبب عدم وجود الفتيات أجابتني إن ذلك يرجع إلى وجود ثلاثة رجال في الصالة، رغم أن عددنا نحن النساء بلغ ما يقارب 35، بمعنى أن ثلاثة رجال من منظمي الحفل لن يستطيعوا عمل أي شيء يضر بهن.

Ad

المضحك المبكي أنني خلال حضوري التغطيات المعنية بأطفال دور الرعاية وعندما يكون الإعلام موجودا فإن الصور كانت تلتقط لهم، كما أن الفتيات كنّ يرحبن بالحضور ويرقصن في المسرح، وتجد أن أغلب الحضور من الرجال.

وهنا بدت التناقضات يومها تصلني على جرعات، فبدأت بالتقاط صور الفعالية نظراً لأن المتبرعات والمتبرعين طلبوا مني تصوير ما يحدث بالأموال التي تبرعوا بها، وإذا بي أجد أيادي تمسك بيدي بعنف، وشخصا آخر، وهو رجل كويتي على ما يبدو، بيده جهاز لاسلكي، يهددني بتحويلي إلى قضية إن لم أوقع على تعهد على مسح الصور.

وتعرضت لهجوم مباغت من هذه الإدارة التي علمت أن انطباعات من تعاملوا معها تشير إلى تفشي الفساد فيها، وحين علموا أنني إعلامية جنّ جنونهم، وأرادوا أن يتخلصوا مني بأي طريقة، المهم حضرت الاختصاصية الكويتية (هـ)، التي لم تحضر الحفل إلا عندما علمت أني قمت بالتصوير وتقوّلت عليّ بتهم لم أفعلها، ووصمتني بأنني أود للأطفال والمراهقات أن يختلط بعضهم ببعض، وكأنني أرغب في نشر الفساد، وأخيرا نالت ما تريد... إفساد الحفل.

قالت لي صديقتي المنظمة للحفل إنها في رمضان نظمت لهم حفلاً، ولكن كان بحضور شيخة من الأسرة الحاكمة، حيث كانت المعاملة مختلفة وأصروا على إحضار الفتيات حتى عمر 16 سنة، والشباب حتى عمر 13، ومنظمو الحفل من الرجال رحبوا بالاختلاط آنذاك، وأصروا على أنهم كانوا يودون أن يكون للإعلام حضور لتغطية هذه اللفتة الإنسانية العظيمة, ولكن هذه المرة علموا بعدم وجود شيخة، وتم التعامل معنا بشكل مجحف ولا يتسم سوى بالعدوانية.

وصلتني قصص كثيرة من مصادر متنوعة عن مدى قسوة المشرفات والمراقبة (هـ) نفسها مع الأطفال تحديداً، فكثير من التبرعات والهدايا مع كل أسف لا تصلهم.

في أثناء مقابلتي للعديد من المتطوعات علمت أنهن شهدن أحداثاً مؤلمة، منها قصص عن ضرب المراقبة (هـ) للأطفال الأيتام، ووجود اختصاصيات يتعاملن بلا مبالاة وبلغة منحطة مع هؤلاء الأطفال، على اعتبار أن توظيفهن في هذا المكان من «ديوان الخدمة» لا يلائم طموحاتهن.

بعد فترة من التطوع تقوم (هـ) بتضييق الخناق على المتطوعات، وإصدار لوائح داخلية بعدم السماح لهن بالدخول، خوفاً من أن يشهدن على جرائم السرقة وإساءة المعاملة لهذه الفئة، حتى بات التطوع في دور الرعاية من المهام الصعبة.

فعمل الخير يحتاج إلى «واسطة»، وإن كانت المتبرعة من الأسرة الحاكمة فإنهم يتظاهرون بتمثيلة أنهم المؤسسة المثلى في رعاية هذه الفئة المسكينة، وحين تغيب الأضواء ويذهب كل منّا إلى بيته، يشهد هؤلاء الأطفال الضرب والحرمان وكثيرا من القسوة من قبل بعض الموظفات والموظفين الذين عملوا سنوات طويلة تمتد لدى بعضهم إلى عشرين أو ثلاثين سنة، ويعرفون كيف يتم التلاعب بالتبرعات؟ مما يجعل استجواب وزير ليس بكافٍ لأن الوزير راحل في الكويت، لكن هؤلاء الموظفين والموظفات ثابتون في أماكنهم، ويخططون قواعدهم وقراراتهم الخاصة في حين أن الوزارة تنام في العسل، وتحرص في أخبارها على الإشادة بدور الرعاية دون أن تعلم كم الفساد الذي يتكاثر فيها.

وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عليها دور مهم في فرض الرقابة على هذه المؤسسات المهمة، أو أن تترك الرقابة لجهة قوية تستطيع أن تفكك خيوط العنكبوت من أناس خلعت من قلوب بعضهم الرحمة في التعامل مع هؤلاء الأطفال المساكين.

ما يقام من «تطفيش» للمتطوعات يرسم علامات استفهام كثيرة تستحق أن يتم التحقق منها، فحينما نسيء معاملة طفل يتيم ونمارس الظلم عليه عنوة، فإننا نحكم على جيل قادم بالعنف والإجرام، فمجرم الغد ما هو إلا طفل محروم ومعذب الآن.