حطوا نفسكم بمكانهم

نشر في 14-10-2010
آخر تحديث 14-10-2010 | 00:00
 لمى فريد العثمان وأنا أهم بالخروج من مدرسة أطفالي بعد توصيلهم في الصباح الباكر، كانت مستلقية في منتصف الطريق تئن وتستنجد... غير قادرة على الحراك لشدة الألم... تجمع حولها الناس... وتم الاتصال بالإسعاف، ثم تبين أنها عاملة منزل حاولت الهروب بإلقاء نفسها من نافذة الشقة في إحدى العمارات القريبة من المدرسة... أسوق هذه الحادثة، التي وقعت أمامي وأمام عدد من أولياء الأمور منذ فترة تزامناً مع الحملة الإعلانية «حطّي نفسك بمكانها»، التي تنظمها «هيومن رايتس ووتش» بالتعاون مع شركاء من المجتمع المدني الكويتي، للتوعية بحقوق العمالة المنزلية في الكويت... حملت تلك الإعلانات تساؤلات مثل «هل سبق أن عملتي شهوراً عدّة من دون تسلم راتبك؟»، و»هل تم حجزك في مكان عملك من قبل؟»، تأتي هذه الحملة بالتزامن مع إصدار تقرير «الطرق المسدودة» الذي أعدته «هيومن رايتس ووتش» معتمدة على التوثيق البحثي في الكشف عن أشكال الإساءات والانتهاكات التي ترتكب بحق هذه الفئة المستضعفة كعدم تسلم الأجور، والعمل لساعات طويلة دون راحة، والحرمان من العطل الأسبوعية، والتعرض للاستغلال والتحرش والضرب.

إن غياب قانون يحمي أكثر من 660 ألف عاملة منزل في ظل نظام الكفيل (غير الرحيم)، وهو نظام يكرس الاستعباد والاسترقاق، يضع، كما تقول سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة، «جميع السلطات في أيدي أصحاب العمل، إذا حاولت عاملة تعرضت لإساءات أو للاستغلال الفرار أو الشكوى، يسهّل القانون على أصحاب العمل اتهامها بالفرار ويتم ترحيلها»، فتهمة ترك العمل دون موافقة صاحب العمل هي تهمة جنائية تعاقب في كثير من الأحيان المجني عليه وتترك الجاني دون عقاب، وبذلك يتم الاحتجاز وإلغاء الإقامة ومن ثم الترحيل دون «إشراف قضائي»، وعلى الرغم من وعود الحكومة بالعمل على إلغاء نظام الكفيل، فإنها كما يصف التقرير «لم تقدم أي تفاصيل عن تدابير الحماية القانونية» لكي تضع حداً لعدد حالات التجاوزات الذي تؤكد الباحثة بريانكا موتابارتي أنه في ارتفاع، حيث تلقت سفارات الدول المصدرة للعمالة في عام 2009 «أكثر من عشرة آلاف شكوى من عاملات منازل».

لطالما تعاملنا مع قضايا حقوق الإنسان بدفن رؤوسنا في الرمال في محاولة لتحسين صورتنا، غير مدركين أننا بذلك نسيء إلى أنفسنا ووطننا في تجاهلنا لمشاكله، فديمقراطيتنا تعاني أنيميا حادة بسبب فقرها لثقافة حقوق الإنسان التي نسمع عنها في الدستور والاتفاقيات الدولية، لكننا لا نراها على أرض الواقع، فها هم البدون يدورون حول أنفسهم في ضياع لامتناه، وها هم أطفالهم يحرمون من حق التعليم بلا ذنب إلا أنهم خرجوا للدنيا فوجدوا أنفسهم بين أناس لا يؤمنون بأهمية الإنسان مجرداً من كل الهويات... فالإنسان أهم من الهويات كلها... الإنسان وحقوقه لب الديمقراطية وجوهرها... وإن غابت قوانين حقوق الإنسان تغدو الديمقراطية الغوغائية عامل هدم لا بناء... فثقافة حقوق الإنسان لم تتأصل في بيوتنا ومدارسنا وإعلامنا وأماكن عملنا كأسلوب حياة وعادات وقيم... فكيف نصنع طفلاً سليماً معافى دون قانون يحميه ضد العنف، وكيف تربي الأم أطفالها بغياب قانون يقيها العنف الأسري، كيف تكون الأم مدرسة إذا أعددتها... وكل هذا الكلام الإنشائي الذي نحفظه عن ظهر قلب دون قوانين تعزز وترسخ ممارساتنا اليومية؟ العمالة والبدون والمرأة والطفل يئنون لغياب قوانين تحميهم، والنواب كل يغني على ليلاه.

back to top