مع بدايات المواسم... يرحل خلدون

نشر في 30-04-2011
آخر تحديث 30-04-2011 | 00:00
 أ.د. غانم النجار عندما صدر كتاب د. خلدون النقيب «المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية» عام 1987، اقتيد خلدون إلى مباحث أمن الدولة، وجرى التحقيق معه انطلاقاً من أن الكتاب كان يقوِّض أركان الدولة (هكذا)، معتبرين أن ذكره مصطلحاً كـ«وزارات السيادة» يعتبر تهجماً على الأسرة الحاكمة (هكذا وبالنص). قمنا نحن كزملاء له في الجامعة بالاعتصام احتجاجاً على الإجراء الذي اتُّخذ بحقه. ثم أُفرِج عنه لاحقاً بقرار إداري وتم حفظ القضية «لعدم الأهمية» (هكذا وبالنص).

قبل رحيله بأيام تحدثنا باختصار عن أكثر من مشروع. اعتزمنا اللقاء لاحقاً لنقاش أكثر تركيزاً، قال لي «انت أكثر نشاطاً مني، ولكني الآن متقاعد، استفيدوا مني، أنا فاضي» قلت له: «شدعوة يا بوزيد إذا أنت تعرف تصير فاضي، أنا أعرف أصير فاضي»، ضحكنا على أمل اللقاء.

حقاً، ظل صديقنا الراحل خلدون يحفر في صخر وأرضية وبنية المجتمع، ويعمل فيها مبضع الجراح الاجتماعي، بوعي وإدراك والتزام. لم يكن يوماً مترهل التفكير، بل ظل ينظر إلى العالم بمنظوره المستقر، منحازاً إلى المهمشين وناقداً للتغول والهيمنة الغربية، والعولمة المتوحشة.

كان أستاذاً لا يُبارى، نتعلم منه دون تعالٍ، وننهل منه بسلاسة، وحتى في الاختلاف لا يمكن أن تتحول الأمور إلى خلاف.

ربما كان من أبرز مساهماته الفكرية ومقارباته في تفكيكه  للدولة التسلطية. ثم تطويره لمفهوم القبلية السياسية، والذي ذهب فيه إلى أن مفهوم القبلية السياسية لا القبيلة بمفهومها الاجتماعي هو الأخطر على كيان الدولة المدنية الحديثة. استفدت من ذلك المفهوم لتطوير دراستي الخاصة بالقبيلة والدولة في الكويت والجزيرة، أيما استفادة.

منذ حوالي أسبوعين تم انتخابه رئيساً للجنة الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية، وكان متحمساً لإنجاح هذا المشروع، ولكن قضاء الله وقدره لم يسعفاه لإكماله. والآن هل يتخيل أحد، أن عَلَماً فكرياً وعلمياً كخلدون النقيب لم يحصل على درجة الأستاذية. وذلك بسبب الموقف الفكري لزملاء له وبعض مَن يعلنون أنهم تلاميذه؟

ربما كان عزاء أبي زيد أن ما دافع عنه ورسَّخه من علم والتزام وخلق على مدى عمره المديد، أن مواسم الربيع العربي قد طرحت ثمارها، وأن حراكها قد بدأ، إلا أنه حين البأس سنفتقدك يا سيدي الجميل ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top