أستاذ الفقه المقارن في كلية الدراسات الإسلامية في الأزهر د. أحمد كريمة: المسلمون عطلوا طاقات النساء بسبب تأويل فاسد للنصوص الدينية

نشر في 23-08-2010 | 00:00
آخر تحديث 23-08-2010 | 00:00
يعزو د. أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، ازدياد الجدل في الآونة الأخيرة حول دور المرأة في المجتمع والأسرة وانقسام الآراء بين مطالب بتحررها من أي قيد و مطالب بتكبيلها بقيود لا تحتمل، إلى غياب فهم الإسلام الصحيح وتنامي الهجوم الغربي عليه، مشيراً إلى أن الإسلام الصحيح يدحض دعاوى تهميش دور المرأة وتكبيلها التي يطلقها المتشددون، أو استخدامها كسلاح لهدم القيم الإسلامية.

في الحوار التالي يكشف كريمة الكثير مما يخفى علينا في دور المرأة في الإسلام:

كيف ينظر الإسلام إلى المرأة وموقعها من الرجل والعكس؟

يقرر الإسلام بوضوح لا لبس فيه ولا غموض أن النساء مثلهن مثل الرجال تماماً، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «النساء شقائق الرجال»، وعليه يتعامل الشرع الإسلامي مع المرأة على أنها كائن آدمي على قدم المساواة مع الرجل.

لا ينظر الإسلام إلى معالم ذكورة أو أنوثة، فإذا كانت ثمة صلاحيات للرجال، فليس ذلك من منظور تمييزي كونه يتمتع بشاربين ولحية وعضلات ولكن من منظور ما يصلح له فحسب، فثمة وظائف دينية ودنيوية يختصّ بها الرجل كالآذان الذي يحتاج إلى حلاوة الصوت وقوته وليس نعومته. الإمامة في الصلاة لأنها تحتاج في أدائها إلى الركوع والانحناء والسجود والصوت الجميل القوي. القضاء لأنه يحتاج تفرغاً كاملاً، لا سيما أن قضايا كثيرة تستلزم صفاء ذهن تام لدراستها، وقد تستغرق ساعات طويلة أو أشهراً، والمرأة لها بيتها. رئاسة الدولة فهي تحتاج إلى تفرّغ كامل ذلك أن رئيس الدولة يقودها في حال الحرب والسلم ويجلس ويختلي مع زائرين ويقابل ضيوفاً، تحتاج هذه الأمور، بطبيعة الحال، إلى الرجل كصلاحيات وليس أفضلية، لا سيما أن أعباء أسرية كثيرة تقع على عاتق المرأة، ولا يحطّ من قدرها أنها لا تصلح لهذه الأمور.

لكن الغرب ينظر إلى المرأة على أنها تصلح لكل هذه الأمور...

ليس في دساتير الدول الغربية، التي تدّعي أنها تكرّم المرأة أو غيرها، ذمة مستقلة للمرأة على غرار ما يوجد في الإسلام. كذلك يحافظ الإسلام على المرأة عندما يأمرها بالتستر لأن لحم المرأة في نظر الإسلام غالٍ، أما في الغرب فيستخدمها كسلعة ترويجية وسلعة إغرائية، فيما في الإسلام جسد المرأة جوهرة نفيسة لا بد من أن توضع في إطار من الحماية والرعاية.

إذا كانت المساواة بين الرجل والمرأة مكفولة في الإسلام فماذا عن المواريث؟

إذا كنت تقصد سورة النساء في آية «للذكر مثل حظ الأنثيين» فليس في جميع حالات مواريث المرأة أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فهذا موجود في مسائل قليلة، قد تفوق المرأة في فقه المواريث الرجال في عشرات الأحوال والمسائل، فميراث الإخوة لأم على سبيل المثال يتساوى فيه الرجل والمرأة، كما قال الله تعالى في سورة النساء أيضاً: «فهم شركاء في الثلث»، ولو فرضنا مسألة فقهية في المواريث مثل: «مات عن زوجة وبنتين وأخ»، فالبنتان هنا سيأخذان الثلثين وما بقي وفضل يأخذه الأخ الذي هو العمّ، فلا تطبق قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين إلا في حالتين: أبناء الميت أو إخوته إذا لم ينجب.

أضف إلى ذلك بعداً مهماً اختص به الإسلام ولا ينتبه إليه كثيرون، وهو أن المرأة المسلمة مكفولة، فهي في ولاية أبيها وإخوتها ومكفولة منهم حتى تتزوج وإذا تزوجت فهي مكفولة من زوجها، أما الرجل فمطالب بأعباء، ومطالب بالإنفاق والزواج والولاية، فلماذا تهدر هذه النظرة؟

إذاً ما رأيك في نظام المواريث الغربي لا سيما أن البعض يروّج أنه أنصف المرأة؟

يشهد الواقع أن النظام في الإسلام تفوّق على القوانين الغربية والقوانين الوضعية في بلاد المسلمين، فالإسلام رحمة وشفقة ومودّة على الناس في أي تشريع سنّ لهم، ثم لم تكرّم المرأة كما كرّمها الإسلام، إذ كان ينظر إليها في فقه الأديان السابقة على الإسلام على أنها نجس وتتحمل خطيئة آدم.

قلت إن الإسلام انفرد بتشريع ذمة مالية مستقلة للمرأة... كيف؟

المرأة كالرجل تماماً، فإذا توافر لها شرط البلوغ والعقل والرشد وهو شرط العاقد في فقه المعاملات المالية، يجوز لها كل التعاملات المالية على قدم المساواة مع الرجل تماماً، فالنساء كن يشاركن الرجال في المضاربة والتجارة، وتولّت امرأة تدعى «الشفاء» ولاية الحسبة لمراقبة الباعة في سوق المدينة في عصر عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).

المرأة، إذاً، لها ذمّة مالية ولا يجوز لولي أمرها أو زوجها أو أولادها التدخل في هذه الذمّة المالية، أما ما يجري في بعض القرى من سطو بعض أولياء الأمور على مهور المرأة، فهذا عرف ريفي أو بدوي لا شأن للإسلام فيه، بالتالي ليس مسؤولا عن سوء معاملتها.

ما رأيك في الدعاوى التي تنادي بحرية المرأة؟

هذا تلبيس إبليس وقميص عثمان الذي رفعه البعض على المنبر للمطالبة بالثأر لعثمان، وما أرادوا الثأر لعثمان إنما أرادوا الكيد لعلي وإحداث فتن بين المسلمين، فهؤلاء يلبسون الحق بالباطل. أفهم التحرر أنه تحرر من الجهل، الأمية الدينية، التخلف الفكري، أما لو يراد بالتحرر الحرية في ارتداء ملابس عارية والتبرج وترك المرأة بيتها وزوجها وأولادها وقيمها الإسلامية، فهذا مرفوض لأن الغرب لن يهدأ إلا إذا مسخ المرأة المسلمة وجعلها مثل النساء عنده بلا دفء الأسرة والقبيلة ولا ولاية الأب، يريد أن يجعلها سلعة تجارية ترويجية تمارس المعاشرة البهيمية بعيداً عن حدود الدين.

نحن على مشارف انتخابات برلمانية في مصر... ثمة رجال يستخفّون بمشاركة زوجاتهم في التصويت، كيف ترى ذلك؟

من حقّ المرأة أن تشارك ليس في التصويت فحسب، بل في الترشح للنيابة، وهو حق شرعي، هؤلاء الأزواج متأثرون بآراء أشخاص قصيري النظر يتصفون بفقه البداوة. ذكر القرآن الكريم زوجات النبي على أنهن صاحبات إبلاغ رسالة كما في سورة الأحزاب «واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة»، إذن تؤتمن المرأة على إبلاغ الوحي، فكيف لا تؤتمن على أن تكون عضو في مجلس نيابي؟ هذا فهم مغلوط.

ما معنى القوامة في الإسلام وهل هي تفضيل للرجل على المرأة؟

القوامة مفهومها مغلوط في المجتمعات التي تنتمي إلى العالم الثالث، ففهم القوامة على أنها تسلّط من الرجل على المرأة لأنه يأتي في المرتبة الأولى هو خاطئ، ففي صحيح الإسلام: «الرجال قوامون على النساء»، أي يدير الرجال شؤون الأسرة إنفاقاً وتوجيهاً وتعليماً وإشرافاً ولاية كاملة ومسؤولية كاملة، وليس معناه الأفضلية، فهم خلطوا بين القوامة والأفضلية.

ثمة شروط أخرى تنتقل فيها القوامة للمرأة كأن يكون الزوج مريضاً غير قادر على العمل والإدارة أو فقد عقله، عموماً المرأة قوامة على أطفالها والدليل على صحة قوامة المرأة أن السيدة عائشة (رضي الله عنها) كانت ولية على بنات أخيها اليتامى في حديث البخاري.

إذا تقاعس الزوج عن خدمة أسرته هل تحقّ له القوامة على زوجته مع سلامة عقله وصحته؟

لا يحقّ لرجل لم يؤدِ شروط القوامة، من إنفاق ورعاية ومسؤولية، أن تكون له القوامة على زوجته، فالقوامة مادية ومعنوية ولا ينطر الإسلام إلى الشوارب واللحى والصوت الغليظ ومتانة العضلات لتحديد الرجولة، إنما إلى الشخصية السوية التي تقود ولا تقاد وتنفق وتعطي ولا تستجدي، فالرجولة هي رجولة الإيمان وقد تكون في امرأة، وكم من نساء خدمن الإسلام أكثر من الرجال.

هل وضع الإسلام حقّ الطلاق في يد الرجل دون المرأة؟

بالطبع لا، في الفقه الحنبلي يحقّ للمرأة العصمة إذا اشترطت في صلب العقد ذلك، وإذا كان الطلاق في يد الرجل فالمرأة لها حق الخلع، إذاً فالحق متساوٍ للطرفين.

ما تفسيرك لانتشار مفاهيم خاطئة عن حقوق المرأة ودورها في المجتمع الإسلامي وفي الأسرة؟

لدينا خبراء في الشغب على الإسلام، إذ ابتلينا بطوائف تجمّد الإسلام، بيّن لنا الرسول (عليه الصلاة والسلام) أن الإسلام حركة حياة فقال: «إن الله يبعث لهذه الأمة كل مائة عام من يجدد لها دينها» ولم يقل عيشوا في قوالب من آل البيت أو الصحابة.

لم يحسن المسلمون اليوم فهم الإسلام ولا عرضه كما يقول الإمام محمد الغزالي رحمه الله: «صحيح الإسلام غائب»، فدور المرأة إيجابي بالطبع، صلّت في المسجد خلف الرجال من دون حواجز أو ستائر وانصرفت، كما يعرفنا صحيح البخاري في غبش الفجر، وكانت تداوي الجرحى وتسقي العطشى في الحروب... للأسف لدينا مدرسة دينية تغيب عن المشهد الاجتماعي والديني والثقافي في حياتنا المتمثل في مدرسة الاعتدال التي كان من روادها محمد عبده ومحمد الغزالي وغيرهما.

لكن يتعلل البعض بلزوم المرأة بيتها بآية «وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى»...

هذه الآية قيلت لزوجات النبي لأن لديهن رسالة ولا وقت للمسامرة، فهن مأمورات بأن ينقلن إلى المسلمين ما سمعنه ورأينه من النبي (عليه الصلاة والسلام) وخفي على المسلمين. إذاً هذا أمر خاص بزوجات النبي وليس على إطلاقه، فنساء النبي ذهبن إلى الحج من دون رسول الله واعتكفن بعد رسول الله، والسيدة صفية رضي الله عنها أحرمت للحج من المسجد الأقصى.

ماذا عن النقاب والحجاب الشرعي للمرأة؟

النقاب عادة لا صلة له بالإسلام لأنه موجود قبل الإسلام، فهو زيّ ترتديه النساء في قبائل شبه الجزيرة العربية، أما الحجاب المذكور في آية «فليضربن بخمرهن على جيوبهن»، فيعني أن تغطي المرأة الشعر من الناصية إلى القفا مع الأذنين، أما آية الأحزاب التي تبدأ بـ»يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين» فليست لها صلة بالنقاب ولكن لها صلة بالجلاليب، لتميز الحرة من الأمة لمقتضيات نزول الآية وإذا عدنا إلى سبب النزول سنجد ذلك، وحجاب المرأة المسلمة بالصورة التي وضحتها سابقاً هو فرض عليها.

هل استطاع التركيز الغربي على المرأة المسلمة أن ينال منها؟

بلا شك فقد وضع المسلمين في مأزق، لكن لم يستطع الغرب غزو المرأة المسلمة عموماً، إنما ثمة اتجاهات ترتزق من الغرب أسست جمعيات وحقوق إنسان... وهي كلها تنضوي تحت لواء التجارة وليس نشر القيم والتوعية كما تصور، ولقد اجتذبت هذه الجمعيات نسوة لديهن شطط في الفكر وتم تجنيدهن لإثارة قلاقل في المجتمع وفي الإعلام أيضاً، ولو وجه هؤلاء الجهود للإصلاح مثل تعليم الفتيات القراءة والكتابة، وعدم تلويث البيئة، لكان ذلك أفضل، أما أن يعملوا على تنكر المرأة لدينها ولسنّة رسول الله وتنخلع من قرآنها، فهذا ليس تحرراً وتنويراً، العلمانية نموذج فكري يصلح للغرب ولا يصلح للمجتمعات الإسلامية.

وماذا عن الإعلام والمرأة؟

الإعلام في رأيي فاشل في الاضطلاع بدور نشر التنوير والإصلاح، على المستوى الرسمي هو تأليه للحكام وولاة الأمور، أما في التعامل الديني فيطرح قضايا بعيدة عن فقه الواقع...

من خلال احتكاكي الشخصي بالإعلام لاحظت أن القائمين على البرامج يركزون على الإثارة على حساب العلم النافع، بالنسبة إلى الإعلام الديني المتخصص، أرى أن القنوات الدينية الموجودة اليوم لا تعرض صحيح الإسلام، إنما هي قنوات مذهبية تعرض لمذاهب إسلامية منها: الشيعي والسلفي والصوفي وغيره، ثمة فرق في أن تعرض الإسلام كدين وأن تعرض لمذهب إسلامي.

كثر الحديث عن ختان المرأة ما رأيك في هذه القضية؟

الختان فيه لبس كبير، ثمة فرق بين الختان الإسلامي والختان المنتشر في بعض الدول الإسلامية حالياً ولا علاقة له بالإسلام. يعرّف الختان بأنه «كشط الجلدة التي في أعلى الفرج بموجب المقتضى»، إذاً هي عملية تجميل يفتي بها الطبيب وليس رجل الدين، فإذا وجد الطبيب النسائي إعوجاجاً أو عيباً خلقياً في الجهاز التناسلي للمرأة له أن يقرر ختانها، إذاً هو أمر طبي يعود إلى الأطباء. أما ختان الرجل فهو واجب لا لبس في ذلك، وختان المرأة ليس فرضاً كما يزعم البعض، فهو فقهياً ينزل إلى أقل درجات المندوب ونسميه مكرمة، ودليل عدم لزومه أن بلاداً إسلامية كثيرة لا تقوم به.

هل ثمة أعمال لا تصلح للمرأة؟

الأعمال التي لا تتفق مع الأعباء التي تتحملها المرأة والصلاحيات، لا أجد أنه يصلح أن تقود اللودر أو الدبابات... أما ما يتفق مع طبيعتها الخلقية فلا مانع، فهي ليست ديكوراً في المنزل ولا غاسلة أو طاهية أو أداة متعة... عطّل المسلمون طاقات أكثر من نصف سكانهم من النساء بسبب تأويل فاسد للنصوص الدينية وبترها عن سياقها وعدم فهم أسباب نزولها، فنحن جنينا على قضايانا وليس الغرب.

د.أحمد كريمة في سطور

- حائز دكتوراه في الفقه بمرتبة الشرف الأولى في جامعة الأزهر.

- عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

- مؤسس جمعية «التآلف بين الناس» الخيرية ورئيسها.

- له مؤلفات علمية هدفها محاربة التطرف، ترجم بعضها إلى لغات أخرى من بينها: «فقه السلام في الإسلام»، «الاعتداءات الأثيمة على السنة النبوية القويمة»، «قضية التكفير في الفقه الإسلامي»، «إسلام بلا فرق»، «وسائل الدفاع الشرعي ومقاصده».

back to top