جاءت العمليات العسكرية ضد ليبيا مساء أمس الأول (السبت)، التي قامت بها دول «العون الثلاثي»، بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وليس العدوان الثلاثي, فرنسا وبريطانيا وإسرائيل, تجسيداً حقيقياً للعبة الأمم في حلتها الجديدة وانعكاساً واضح المعاني والأدلة والمؤشرات لظهور هيلاري كلينتون في ميدان التحرير في القاهرة، وهي «مُبَرْطعة» وفي ذروة نشوة الانتصار، وكأنها ذلك الجنرال البريطاني «ألَنْبي»، الذي بعد أن وصل إلى دمشق في الحرب العالمية الأولى ذهب مسرعاً إلى حيث ضريح صلاح الدين الأيوبي، ووقف إلى جانبه وقال: «ها قد عدنا يا صلاح الدين»!

إن هذه هي المرة الثانية خلال نحو عشرين عاماً التي تتعرض فيها عاصمة عربية لغارات جوية وصاروخية غربية، إذ إن بغداد عاصمة العرب في ذروة تفوقهم كانت قد تعرضت لما هو أعنف من هذه العمليات العسكرية التي تتعرض لها طرابلس الغرب الآن، والتي كانت مقدمة للغزو الذي بدأ كما هي الغارات على طرابلس الغرب في التاسع عشر من مارس (آذار) قبل ثمانية أعوام، والذي ذكرنا باجتياح هولاكو الذي خلّف دماراً لايزال مضرب مثل رغم مرور كل هذه الحقب التاريخية الطويلة.

Ad

إنه لا يبهج ولا يسر أي عربي يقرأ الأحداث وأبعادها بقلبه وعقله وليس فقط بعيونه أن يرى عاصمة عربية أخرى تقع ضحية للعبة الأمم الجديدة، وهنا فلعل ما هو ليس بحاجة إلى براهين ولا أدلة هو أن هذا «العون الثلاثي» لا دوافع له إلا دوافع النفط والمصالح الدولية، فحكاية الإنسان والإنسانية هي آخر ما يهم الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا التي كانت قد استعمرت الجزء الآخر من شمالي إفريقيا استعماراً استيطانياً ليس له شبيه إلا الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي الذي كان أحد إنجازات لعبة الأمم في نهايات أربعينيات القرن العشرين.

والمشكلة التي بقيت تواجهها هذه الأمة, التي كانت ذات رسالة خالدة بالفعل, تكمن في أنها ابتليت دائماً وأبداً ببعض الحكام الذين بتصرفاتهم الشائنة واستبدادهم الذي لا مثيل له حتى في العصور الوسطى وقبل ذلك ظلوا يستدرجون ألاعيب الأمم إلى بلدانهم استدراجاً، فهذا هو ما حصل مع العراق بعد أن اجتاح صدام حسين الكويت، وبعد أن أخطأ في قراءة المعادلات الدولية عندما بدأ الاتحاد السوفياتي بالانهيار، وهذا ما يحصل الآن مع معمر القذافي, الذي لا أكثر مهزلة من حكمه «الجماهيري» البائس لا في التاريخ الحديث ولا في التاريخ القديم, وهو ما قد يحصل مع ثالث ورابع، فالأيام حبلى والمعطيات إن هي ليست متطابقة فإنها متشابهة.

في عام 1956 تمثلت لعبة الأمم في العدوان الثلاثي الغاشم, الإسرائيلي-الفرنسي-البريطاني, على مصر، وكانت الحجة هي الرد على تأميم قناة السويس، لكن الحقيقة كانت استهداف نظام الرئيس جمال عبدالناصر الذي كان اتخذ نزعة تحررية وحدوية منذ انقلاب (أو ثورة) عام 1952، والمعروف أن الولايات المتحدة وفقاً لهذه اللعبة كانت المُحبط الرئيسي لذلك العدوان، والسبب بالطبع ليس حب عبدالناصر ولا دعم حركة التحرر العربي، وإنما متطلبات الصراع بين الاستعمار الجديد والاستعمار القديم.

ولعل ما يجب التوقف عنده ونحن نستعرض هذا الموجع للقلب والباعث على الحزن حتى البكاء هو أن معركة السويس, العدوان الثلاثي, قد وحَّدت العرب كلهم، وألغت كل تناقضات تلك المرحلة الاستقطابية بين عبدالناصر وحِلفه وبين الحلف الآخر، أما الآن فإن «القرف» من «الأخ قائد الثورة», الذي لا بارك الله لا فيه ولا في ثورته ولا في كتابه الأخضر ولا في جماهيريته, قد جعل الشعب العربي قبل حكامه يصمت عن لعبة الأمم الجديدة هذه وعلى هذا «العَوْن الثلاثي»، كما تصمت المُغتصبة خوفاً من الفضيحة، وفقاً لما جاء في قصيدة مظفر النواب الشهيرة.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة