التفات نظر الإعلام العربي ناحية الحدث التونسي الساخن المتسارع أمر مفهوم، فالإعلام أينما كان، يبحث عن الخبر المثير مهما كان، ولا أكثر إثارة من اندلاع الثورات واشتعال الحروب.

Ad

هذا مفهوم كما قلت، لكن المثير للسخرية، هو أن بعض أطراف هذا الإعلام تحاول اليوم أن تُظهر نفسها في مظهر المشارك في هذه الثورة التونسية الجارية ضد الطغيان، فتتحدث بلسان إرادة الشعوب والمصير الأسود للطاغية، وهي نفسها من كان بالأمس يسميه فخامة الرئيس، وهي نفسها كذلك من يُحجم حتى الساعة عن الحديث عن بقية الطغاة وولاة الطغيان في العالم العربي!

المسألة الإعلامية في حقيقتها خاضعة للمصالح والسياسة، لا للمبادئ والحق، لذلك فيجب ألا يُخدع أحد منا فيبدأ بتصنيف القنوات والصحف والمؤسسات الإعلامية العربية على موازين العروبة والقومية والإرادة الشعبية وغيره. هي مصالح وسياسة فحسب.

هذا من جانب الإعلام، أما من جانب الشعوب العربية، فالكل أيضا قد راح يتماهى مع الثورة التونسية، كلاما، وربما شعورا، ولكن ليس فعلا على الإطلاق.

العرب اليوم يتابعون ما يجري أمامهم عبر شاشات التلفزة وكأنه حدث تمثيلي، كأفلام السينما، ويتمنون لو تخلصوا بالمثل من الطغاة القابعين على عروش الحكم في بلدانهم كما فعل هؤلاء الأبطال «التوانسة»، ثم يغلق الواحد منهم التلفاز ويلتحف لينام فيقوم في الصباح ليذهب إلى عمله!

لست هنا أدعو إلى اندلاع الثورات الدموية في العالم العربي كما جرى في تونس، فلكل بلد ظروفه وملابساته، ولكنني أعترف بأنني أدعو إلى ثورة المواطن العربي على نفسه، يثور على غيبته العقلية وتبلده الشعوري، فيدرك حجم مسؤوليته وموقع تأثيره وطبيعة دوره لنهضة بلده وقيامها من عثرتها.

لست من المؤمنين أبدا بما يسمى نهضة الشعوب، والإرادة الجمعية، فالناس لا يصلح شأنهم ولا تقوم لهم قائمة دون قيادة وإلا فلن يتحركوا حركة منظمة منضبطة، ولذلك عندما أوجه دعوتي إلى ثورة المواطن العربي على نفسه، فأنا مدرك تماماً لاستحالة تحرك المجموع، لكنها دعوة أوجهها على أمل أن تتحرك الأنا لدى النخب المثقفة الصادقة القادرة على القيادة والسير بالمجموع نحو الخلاص.

حينما أقدم بائع الخضار التونسي البسيط على حرق نفسه بعدما أغلق المسؤولون أبوابهم في وجهه، لم يفعلها إلا بعدما فقد القدرة على العيش وليعبر عن احتجاجه اليائس المباشر عن وضعه الإنساني المأساوي، ولم يكن يدور في خلده أنه سيشعل بفعله هذا ثورة على طول بلاده وعرضها تنتهي بسقوط النظام بعد أكثر من عقدين من الزمن من حكم الطاغية.

لذلك فهل يجب أن نؤمن بأنه لا يوجد سبيل أمام الشعوب العربية، على اختلاف أوضاعها وتمايز طغاتها، سوى الصبر لعقود من الزمن وصولا إلى مرحلة الانسحاق التام على يد هؤلاء الطغاة، ومن ثم انتظار لحظة عفوية مباغتة غير مخطط لها على يد شخص مجهول، علها تشتعل شرارة الثورة بعدها؟! وقد لا تشتعل!

إنه انتظار خائب، وتفكير مريض إذن!

إن الشعوب العربية، عبر نخبها الصادقة التي تقود الحراك الشعبي، بحاجة للتحرك لإصلاح أوضاعها أولا بأول، بمختلف الوسائل المتاحة، والتدرج في استخدام هذه الوسائل، فليست كل البيئات بحاجة إلى ثورات دموية، وليست كل الأنظمة بحاجة إلى إزالة، وإنما كل حالة لها خصوصيتها.

ما يحصل في تونس يجب أن يكون عبرة وعظة للشعوب العربية بأهمية دورها في إصلاح شؤون بلادها، قبل أن يكون رسالة لكل أنظمة الطغيان بأن مصيرها إلى زوال، ولو بعد حين.

اللهم انصر شعب تونس وقيض لهم من أمرهم رشدا، ولا تخذلهم فيمن سيتسلم زمام أمرهم.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة