العلاقات المصرية - الإيرانية!
أوْضَح إشارة على أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة (المصرية) لن يذهب بعيداً في الانفتاح على إيران، التي كانت قطعت علاقاتها بمصر بعد انتصار ثورتها في عام 1979، بحجة أن الرئيس السادات فتح أبواب بلاده لإيواء الشاه السابق حياً وميتاً، وأنه لن تكون هناك خطوة «دراماتيكية» في هذا الاتجاه، هي أن ناطقاً قد أكد باسم هذا المجلس قبل أيام أن مصر لن يحكمها خميني جديد، وأنها لن تكون غزة ثانية.
لكن ومع أن هذه الإشارة، التي هي موجهة إلى الغرب أكثر مما هي موجهة إلى الداخل المصري، واضحة الدلالة على أن «المجلس الأعلى» غير متعجّل لاستعادة العلاقات المقطوعة بين مصر وإيران منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فإنه من الممكن توقع فترة انتقالية بين البلدين تكون بمنزلة فرصة لاختبار ما إذا كانت دولة «الوليّ الفقيه» قد اكتفت من الغنيمة بالإياب، وأنها باتت مستعدة فعلاً للتخلي عن سياسات التدخل السافر في شؤون مصر وفي شؤون العديد من الدول العربية.ربما يجنح «المجلس الأعلى»، لأسباب داخلية وخارجية كثيرة، إلى التهدئة وإلى هدنة تشكل مرحلة انتقالية مع إيران، لكن أغلب الظن، بل المؤكد، أن العودة إلى واقع ما قبل القطيعة المستمرة منذ عام 1979 غير واردة في هذه الفترة الصعبة الحرجة، حيث الأوضاع داخلياً في مصر لم تستقر بعد، وحيث هناك انتخابات تشريعية مقبلة باتت على الأبواب، وانتخابات رئاسية مفترضة بعدها بثلاثة أشهر أو أكثر، وإذ إن، وهذا مهم جداً، العلاقات بين الجمهورية الخمينية وبين أربع من دول الخليج العربي لم تكن متوترة بهذه الطريقة من قبل، لأن هذا الوضع الجديد، الذي لاتزال مقاليد أموره في أيدي جنرالات الجيش المصري، يضع على رأس جدول أولويات «المجلس الأعلى» استعادة دور مصر القيادي والمحوري بالنسبة للعالم العربي، فإنه من المستبعد جداً أن يقدم الآن على ما هو أبعد من التهدئة مع إيران، مادامت أنها تتدخل كل هذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج العربي، ومادامت العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الخمينية متردية على هذا النحو، وطالما أنها مرشحة ليس إلى التهدئة وإنما إلى المزيد من التصعيد، والسبب هو التصرفات الإيرانية الاستفزازية التي استنكرها وزير الخارجية المصري قبل أيام. لم تكن مصر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات هي المبادرة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وأنها ليست المسؤولة عن هذه القطيعة المستمرة بين البلدين منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ومادام التدخل الإيراني في شؤون مصر وفي شؤون العديد من الدول العربية متواصلاً ومستمراً، وأيضاًمادام أن هناك كل هذا التوتر بين إيران ودول الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، فإنه من غير المتوقع أن تبادر مصر، المعنية بتعزيز موقعها القيادي في الإقليم العربي، إلى ما هو أكثر من مجرد هدنة تكون بمنزلة فترة انتقالية لاختبار نوايا الإيرانيين، والتأكد من تخليهم عن تطلعاتهم الاستحواذية نحو هذه المنطقة.ثم ان «المجلس الأعلى»، وهذه مسألة مهمة جداً، الحريص على دور مصر الدولي وعلى علاقاتها الوطيدة مع الولايات المتحدة ومع الغرب الأوروبي كله، لا يمكن أن ينتقل بالعلاقات مع إيران دفعة واحدة من القطيعة والاشتباك السياسي إلى «عفا الله عما سلف» والتقارب حتى حدود التحالف والانضواء في معسكر واحد، فهذا قد يرضي «إخوان» مصر ويرضي سورية وبعض الأطراف في لبنان، لكنه سيغضب حتماً أغلبية المصريين، بالإضافة إلى معظم العرب والرأي العام العالمي.