تقدم المدارس النقدية تفريقاً بين جنس الرواية كإبداع والمقال ككتابة تقريرية، بأن الرواية تتكلم الحدث، بينما يقوم المقال بالتكلم عن الحدث. ويبدو البون شاسعاً بين استنطاق الحدث بشخوصه وأجوائه وعوالمه وأبعاده الإنسانية، وبين الكتابة الوصفية عنه بقناعات الكاتب ولسانه الصريح. وربما عُد ذلك أحد أهم مميزات الفن الروائي، في قدرته على تناول أي موضوع حياتي إشكالي، دون تحيز ظاهر من المؤلف، ولكن بحكاية وأحداث تحمل بين طياتها رؤية إنسانية تقول في محصلتها برؤية المؤلف.
إن الناظر إلى النتاج الروائي بعمومه عربياً وعالمياً، يدرك استحالة حيادية الكاتب، وأن أي عمل روائي إبداعي كبير إنما يقدم رأياً واضحاً تجاه قضايا حياتية إنسانية، وكلما كان الطرح مقنعاً وحيوياً استناداً إلى أحداث الرواية ومشاهدها، كلما حُسب ذلك لصالح العمل والمؤلف، وكلما كان تدخل الروائي مكشوفاً وصريحاً، عُد ذلك انتقاصاً من مكانة الرواية، وخروجاً على السوية الروائية الفنية الصحيحة.رواية «لأني أسود» للكاتبة سعداء الدعاس، الصادرة عام 2010، والحائزة جائزة الدولة التشجيعية للعام نفسه، تقدم مقولتها الأساسية بدءاً بعتبتها الأولى، فعنوان الرواية، وتصميم صورة الغلاف، يقدمان شخصاً أسود اللون بنظرة حزينة ودمعة مترقرقة، تقول بمعاناته، وبالتالي إدانة الرواية الصريحة لفكرة التميّز العنصري القائم على اللون.الرواية هي التجربة الأولى للكاتبة، ولقد جاءت أحداثها موزعة بين الولايات المتحدة الأميركية والكويت، وتقدم حكاية شاب كويتي أسود اللون يرتبط بامرأة أميركية تشابه لوناً، وينجب منها ولداً، ويموت الأب بحادثة سيارة عابرة، ليعود بعدها الابن إلى وطنه بوصفه كويتي، تصاحبه والدته الأميركية، ليعيشا الواقع الحياتي كما هو على أرض الكويت.الرواية، تقدم مقولتها الأساسية، منذ صفحتها الأولى: «جئت كجميع أبناء جلدتي، بعد أن قررت جيناتي أني أسود. لحظتها، أصدرت حنجرتي صراخاً شق سكون المكان، خشية مستقبل ينضح بالاختلاف، محمل بإرث عنصري لا فكاك منه». وهي في سبيل إدانة التميز العنصري، تلجأ إلى الخوض في عوالم وهواجس أكثر من شخصية في الرواية، كالزوجة «جوان»، وبطل الرواية «فوزي»، وأخيراً الابن «جمال»، والجميع يظهر غارقاً بمعاناته تجاه لونه، وإحساسه بمأزق حياته إلى جوار الآخر الأبيض، مع اختلاف البيئة بين الولايات المتحدة الأميركية والكويت.الرواية كنجس أدبي منفتح على الحياة، يتيح للمؤلف نثر أفكاره وأجزاء من تجربته الذاتية بين جنبات الرواية، وهذا ما قامت به الكاتبة سعداء الدواس، حيث يبدو جلياً، محاولتها بثّ أفكارها على لسان أبطالها، ومواقفها حيال، ليس فقط التميّز العنصري، بل تعرض هي للاحتلال الصدامي الغاشم للكويت، وقضية السنة والشيعة، وقضايا الجاليات الأجنبية الموجودة في الكويت. بينما تتخد من المعهد العالي للفنون المسرحية، مكان عملها الحقيقي، مكاناً لبعض فصول الرواية.رواية «لأني أسود» تجربة وخطوة أولى لكاتبة جادة وواعدة، يُنتظر منها، ومجموعة من الأسماء الشبابية الكويتية العطاء الروائي الأفضل في القادم من الأيام.
توابل - ثقافات
الرواية والعنصرية
03-05-2011