الهجمة المرتدة على الثورة المصرية

نشر في 13-03-2011 | 00:00
آخر تحديث 13-03-2011 | 00:00
 ياسر عبد العزيز لو كنت أحد رجال حكم الرئيس المصري حسني مبارك، وقد ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بنظامه، وارتكبت مئات الجرائم في عهده، ونهبت عشرات الملايين من الدولارات، وشغلت مناصب رفيعة لم تكن قادراً على احتلالها أبداً في حال كان نظام الحكم عادلاً أو نزيهاً أو متحلياً بالكفاءة، فماذا كنت ستفعل الآن؟

لا شك أنك كنت ستفكر في تفريغ ثورة 25 يناير من مضمونها، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، فإن كان ذلك أمراً صعباً دونه الأهوال، فستعمل على إبقاء الأوضاع على ما هي عليه الآن، من دون المزيد من فتح الملفات، ومحاكمة الفاسدين، وتغيير طبقة الحكم الكاملة بشقيها السياسي والبيروقراطي، فإن تعذر ذلك، فليس أقل من الانتقام من هؤلاء الذين أزالوا دولتك ودمروا مكاسبك، وأرادوا لك المحاكمة والذل والعار.

لم يعد الرئيس مبارك يحكم هذا أكيد، فقد كانت إطاحته أحد أهم المكاسب التي حققتها الثورة المصرية، لكن عدداً من أهم أركان حكم مبارك مازالوا طلقاء ينفذون أجندات ما؛ منهم رئيس ديوانه زكريا عزمي، ورئيس مجلس الشعب فتحي سرور، ورئيس مجلس الشورى، أمين عام الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم سابقاً) صفوت الشريف. كما أن جمال مبارك، الوريث المفترض، والقيادي بالحزب الحاكم، وبعض المقربين منه، لم يخضع أي منهم لأي محاكمة أو مساءلة.

تسطر القوات المسلحة المصرية سطراً منوراً جديداً في سجلها الوطني، وقد برهنت، في مواكبة الثورة، على جدارتها بالثقة واستحقاقها للمكانة التي تتمتع بها في الوجدان الجمعي، لكن ما بات واضحاً في موازاة ذلك، أنها تنطوي على بعض السمات التي كرّسها عصر مبارك في مؤسسات الدولة المختلفة، وأنها لم تكن يوماً سوى جزء من النظام العام، حريصة على استدامته وأمنه، ومستوعبة لبعض هناته، ومرتبطة بهياكله، وراغبة في إبقائه دون الانهيار التام، وبمنأى عن التعرض لسحق المكانة وتلطيخ السمعة، بقدر المستطاع.

القوات المسلحة المصرية الباسلة لم تهبط على ميدان الثورة من عالم ملون بعيد، لكنها جاءت من موقعها على يسار النظام الذي تعرض للإطاحة، ولم تأت لتنفذ مطالب الثوار حرفاً حرفاً، لكنها أتت لتنقذ البلد، وتلبي نداء الوطن، وتحفظ «المؤسسة»، وما يمكن أن يبقى للنظام من هياكل وآليات وسمعة.

القوات المسلحة لا تعرف المعارضين جيداً، وبالتالي فهي لا تثق بهم، وقد أرادت الاحتفاظ بشفيق ووزارته التي أدت اليمين أمام مبارك، وحينما توالت الضغوط عليها، سلمت الوزارة لرجل محترم وكفء شارك في الثورة، لكنه كان وزيراً سابقاً في إحدى حكومات مبارك.

حين خرجت الجماهير المصرية في الأيام من 25 يناير إلى 11 فبراير الماضيين، لم ترتكب أي عنف أو تستهدف أي منشآت أو أجهزة استهدافاً منهجياً منظماً، باستثناء مؤسستين: الحزب الوطني الحاكم سابقاً، والشرطة.

الشرطة تواجه اتهامات هائلة، لا تستثني مسؤولين أو ضباطاً صغاراً، بعضها يتعلق بالفساد والتربح، والبعض الآخر يتصل بالتعذيب والقتل والتنصت وانتهاك حقوق المصريين، والبعض يذهب مباشرة إلى «الخيانة العظمى».

ثمة ما هو أخطر من الشرطة الفاسدة، والطبقة السياسية الموتورة، والمتمثل في ثماني مؤسسات صحفية قومية مملوكة للدولة، تصدر عنها 55 صحيفة، وتسع شبكات إذاعية، وأكثر من 20 قناة تلفزيونية عامة ومتخصصة وفضائية وأرضية، وعدد من الخدمات الإلكترونية والهاتفية، كلها مازالت تقع تحت سيطرة رموز إعلامية مخلصة لمبارك وعهده، وستبذل كل ما بوسعها لإبقاء أوضاعها على ما هي عليه، لأن البديل في تلك الحال ليس سوى المحاكمة أو الانتحار المهني.

هناك أيضاً أصحاب الأجندات الخاصة من رجال الأعمال، الذين أثروا ثراء فاحشاً في عهد مبارك بسبب تغول الفساد، وهؤلاء سينفقون بسخاء على أي محاولات لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، أو إبقائها على ما هي عليه الآن، وفي أقل تقدير إشاعة الفتنة وعدم الاستقرار حتى يتم صرف الأنظار عن ملاحقتهم ومحاكمتهم.

وإضافة إلى كل هؤلاء؛ هناك نفر من المصريين يؤمن بأن «الأمن مع الحاكم المستبد أفضل من الفوضى مع الحرية»، وهؤلاء طبعاً يجدون بوادر الفوضى ظاهرة في بعض ما تشهده البلاد الآن، وهناك آخرون للأسف تصوروا أن الثورة أتت لتحل لهم مشكلات فئوية، أو تطيح برؤسائهم «الظالمين»، أو لتمكنهم من تسوية حسابات شخصية مع خصوم لهم من المواطنين، أو لتمنحهم فرصة العيش بانفلات ومن دون أي حساب.

يقدم ضباط شرطة فاسدون، وبلطجية مأجورون، ولصوص، وطائفيون مأفونون أفضل الذرائع لإشاعة الانفلات والفوضى في مصر الآن.

وتندس عناصر مهيجة وصدامية وغير راغبة في النقاش بين الثوار أحياناً لإعطاء أسوأ الانطباعات عنهم، كما تحاول بعض جماعات الإسلام السياسي الحصول على مكاسب على صعد الاعتراف الرسمي والتمثيل السياسي والتأهيل القانوني والاجتماعي وزيادة النفوذ، في مقابل المساعدة على لجم حركة التغيير الاجتماعي والسياسي الثورية الشاملة.

وتنشط إمبراطورية الإعلام الرسمي، التي لم تصلها الثورة بعد، لتحقيق هدف واضح يتمثل في «تفريغ الثورة من مضمونها» و«إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، من خلال اختزال مطالب الثورة والأهداف الوطنية المنبثقة منها، في «تحقيق الأمن، واستعادة الشرطة، وتوفير الدقيق، وإيقاف الخسائر الاقتصادية».

ثمة تحالف شيطاني ينشط في مصر الآن، من خلال غرفة عمليات وأوراق سياسات وبرامج وتمويل ودعم إعلامي، لتفريغ الثورة من مضمونها... إنها هجمة مرتدة سريعة ماكرة، وقد تسفر عن هدف.

* كاتب مصري

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top