الديمقراطية، كما ذكرنا غير مرة، ليست ورقة اقتراع فقط يؤشر عليها كل أربع سنوات، بل إنها نظام حكم متكامل يرتكز أول ما يرتكز على ضمان الحريات العامة والشخصية، وهو ما نص عليه دستور 62 في أكثر من مادة، إذ إن النظام الديمقراطي لا يستقيم إطلاقا من دون الضمان الكامل للحريات العامة والشخصية، وهو ما يميز الأنظمة الديمقراطية أو حتى شبه الديمقراطية عن الأنظمة الدكتاتورية البوليسية القمعية الموجودة في العالم الثالث عموما وفي قارتي آسيا وإفريقيا خصوصا.

Ad

لهذا لم يكن مفاجئا صدور الحكم التاريخي للمحكمة الدستورية في الأول من مايو 2006، القاضي بعدم دستورية المادتين (1) و(4) من المرسوم بالقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات لأنه كان مرسوما غير دستوري صدر في أثناء غياب الحياة البرلمانية، والذي حصل نتيجة للتعطيل الأول للدستور في عام 1976، والذي كان الهدف منه تفريغ الدستور من مضمونه الديمقراطي والإبقاء عليه شكلا فارغا من أجل وقف عملية التطور الديمقراطي وعرقلة عملية بناء الدولة الديمقراطية الدستورية التي وضع أسسها وحدد متطلباتها الرئيسة دستور 1962.

لقد ثبت الحكم التاريخي للمحكمة الدستورية ما جاء صراحة في الدستور فيما يتعلق بالاجتماعات العامة، إذ أكد أن الاجتماعات العامة مكفولة كما تنص المادة (44) من الدستور التي توضح صراحة أن "للأفراد حق الاجتماع من دون حاجة لإذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة، والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب".

لذلك فإنه من المستغرب أن تصر الحكومة مرة أخرى على مخالفة الدستور، وتعمل على التعدي على الحريات العامة التي تعتبر أساس النظام الديمقراطي وجوهره، وذلك في أثناء قيامها بمنع الاجتماعات العامة السلمية التي تلتئم في الدواوين، إذ إنها تقوم باستعراض قوات البوليس والقوات الخاصة بمكافحة الشغب لتخويف الناس وترهيبهم من حضور هذه الاجتماعات، كما أنها تقوم أيضا بإغلاق الطرق المؤدية إلى المكان الذي سيعقد فيه الاجتماع السلمي أو الندوة من أجل عرقلة حركة السير لكي تصعب من وصول الناس للدواوين الخاصة التي تعقد فيها الاجتماعات العامة السلمية، أو لكي تمنع وصولهم إليها بالمرة تحت مبررات وحجج غير مقبولة، بل مضحكة أحيانا، مثل القول إنها تقوم بذلك من أجل تنظيم السير، وتسهيل حركة المرور، مع العلم أن الوجود الكثيف والمبالغ فيه لقوات البوليس يزيد من عرقلة حركة السير بدلا من تنظيمها، كما أن القوات الخاصة بمكافحة الشغب لا علاقة لها البتة، كما هو معروف، بقضية تنظيم حركة المرور! ناهيكم عن أن ذلك يمثل مخالفة صريحة لروح الدستور والتفاف واضح على صريح نصوصه بالذات المادة (44)، وهو ما يجعلنا نشكك في أن الحكومة ملتزمة، كما تدعي، بتطبيق الدستور، إذ إنه من الواضح جدا في الممارسة العملية أنها تعمل تدريجيا على تقليص الحقوق الديمقراطية وتضع قيودا كثيرة على ممارسة الناس للحريات العامة والشخصية التي كفلها الدستور.