«شارع العطايف» رواية متميزة بالرغم من أنها الرواية الأولى للكاتب السعودي عبد الله بخيت، وهي من الروايات الخليجية التي تكشف عن تلك المناطق المستورة والمدفونة في فقر ووضاعة ماضيها المجهول من طبقة أثرياء المدينة المجاورة لهم.

Ad

الرواية غاصت في قاع هذه الأحياء الفقيرة التي هي قلب مدينة الرياض،أو كما أطلق عليها الكاتب اسم «الرويض» تمويها لها، وبالذات شارع العطايف في حلة بن بخيت الذي هو شريان الرواية الذي محي من الخارطة ليحل محله طريق الملك فهد.

الرواية الجريئة تتمحور حول ثلاثة محاور لثلاث شخصيات أساسية، تتقاطع أزمنتهم وتتشابك مصائرهم، وتتلاقى أحلامهم ونقائصهم ومصائرهم التعسة، في تلك الحياة البائسة التي لم يكن لهم فيها أحلام كبيرة ولا أي اهتمامات تقع خارجها، حياة دارت بهم وارتبطت بالعشق والشغف وغاصت حتى نخاعه.

المحور الأول في الرواية يدور حول الشاب ناصر أو «فيحج» الاسم الذي أُطلق عليه من بعد خرابه وعدم صلاحيته للواط الذي دمر أدميته وأدمى كرامته.

ناصر أحب ابنة عمه نوف لدرجة دفعته لقتل كل من ارتبط بها، أو كما قال: «حان الوقت لتحديد مصائر هؤلاء الناس الذين آذوه، حاول أن يضع قائمة بكل الذين اقتحموا شرفه، فطيس وسويلم وعيال ابن نقية وشنغافة وأبومنيف حتى سنعدي صديقه الحميم، وقائمة لا تنتهي من أناس لا يعرفهم، كل هؤلاء احتضنوه، وضموه وتمتعوا بجسده».

المحور الثاني يدور حول شخصية «شنغافة» العبد المحرر الذي لم يعرف ماذا يفعل في هذه الحرية الموحشة، وكافأه الله بحرية أشد قسوة من العبودية، شنغافة الذي ذاب في عشق معدية الحرام والذي سوف يقتل بسبب امتلاكه لقطعة من ملابسها الداخلية.

شنغافة دارت حياته ما بين السجن والجلد وتصنيع الخمور وعالم الرياضة بكل صراعاته السرية والأخلاقية.

ونهاية هذه الحياة التعسة تكون بيد السياف الذي قطع رقبته أمام الجميع.

أما المحور الثالث فيدور حول سعد أو «سنعدي» الذي تحول بفضل عشقه للمومس بنت مستورة إلى نصاب لا يُفلت أي وسيلة يحتال بها للحصول على فلوس ينفقها على جسد البغي الذي أدمنه حتى النخاع، والذي قاده إلى الموت بمرض السفلس.

الرواية تدور بأجواء زمن السبعينيات من القرن الماضي، في أماكن حقيقية وبشخصيات امتلكت حياة حقيقية ومنهم مثلا شخصية «فطيس» المنحرف الذي هتك أعراض أطفال منطقة حلة بن بخيت ودمر حياتهم ومن هؤلاء شخصية ناصر أو فحيج الذي لم يتمكن من قتل فطيس حتى مع اعتذار فطيس له بعد أن كبر وشاخ منه الجسد، لم يمح اعتذاره الألم ولم يمسح الاهانة التي دمرت روحه وامتهنت جسده.

شارع العطايف رواية تدور في السكيك والحواري والمقاهي الرخيصة، والحياة في المقابر التي يتم فيها اللواط وتوزيع الخمور في «الأرض الملأى بالغياب لا يُعرف من يتحرك هناك ولا من ينام هنا».

في عالم السحرة والمقرئين والمعالجين الشعبين، ومطيري الحمام، ولاعبي الكرة، وسماسرة القوادة وعاهرات القرندول اللاتي هن «رمز للعار الذي ارتكبه الرجال في تاريخهم كله، عالم الحضيض الذي فيه القاتل والقواد ورجل الدين والسياسي والمثقف يحركهم قانون واحد... لا تطرح السؤال الأساسي، عليك أن تنغمس في التفاصيل، سنة الحياة الحقيقية.

المثل والأخلاق ليست سوى ديكور يخفي الإنسان شوقه إلى عهره المسلوب بدعاوى الفضيلة.

«شارع العطايف» رواية تصلح للعمل السينمائي والتلفزيوني بكل جدارة حتى وان كانت اللغة فجة في بعض تعبيراتها الجنسية لكن هذه الفجاجة مناسبة ومتصالحة مع بساطة الشخصيات ووضاعة حياة أبطالها، لغة جاءت مفصلة على مقاس شخصياتها بالتمام والكمال، وقد لا تقبل في مطارح أخرى.

هذه الرواية تمثل كشفا للمستور الغائص في الكتمان والسرية التي لولا وجود هؤلاء الروائيين لما عرفنا أي شيء عنه، ولأكلت تلك المدن البراقة الحديثة كل تلك الأسرار المطوية والمدفونة في جذور أساساتها المسلحة.